عادت قضية تلوث الأغذية والأطعمة بالمواد الكيميائية الصناعية للظهور على السطح مرة أخرى بقوة، بعد أن وجدت مادة "الديوكسين" السامة طريقها إلى علف الحيوانات في ألمانيا، وبكميات ضخمة، إلى درجة دفعت الحكومة الألمانية إلى حظر منتجات أكثر من 4700 مزرعة، من البيض واللحوم وخلافه. و"الديوكسين" محل الكارثة الأخيرة هو في الحقيقة مجموعة من المواد الكيميائية متشابهة التركيب، وعالية السمية، حسب منظمة الصحة العالمية. وأحياناً ما يتواجد "الديوكسين" بنسب بسيطة جداً في الطبيعة وفي البيئات المختلفة، مثل التربة، والترسبات الجيولوجية، وبعض المنتجات الغذائية، وخصوصاً منتجات الألبان، واللحوم، والأسماك، والمحاريات. إلا أن الجزء الأكبر منه غالباً ما يكون نتاج النشاطات الصناعية مثل صهر المعادن، وتبييض عجينة الورق، وتصنيع مبيدات الحشرات، ومبيدات الحشائش. ويؤدي "الديوكسين" حال تواجده داخل الجسم في تركيزات أعلى من المسموح بها إلى عواقب صحية وخيمة مثل خفض القدرة الإنجابية، وإعاقة النمو، وتدمير جهاز المناعة، وتعطيل عمل الهرمونات، والتسبب في الإصابة بالأمراض السرطانية. وتتشابه هذه الفضيحة الألمانية إلى حد كبير مع الفضيحة الصينية الخاصة بتلوث حليب الأطفال بمادة "الميلامين" الضارة. ففي سبتمبر من عام 2008 ، تورط عدة أشخاص وشركات في إضافة مادة "الميلامين" للحليب، مما أدى إلى إصابة أعداد هائلة بحصاوي الكلي، وبالفشل الكلوي في النهاية، حيث تشير التقديرات إلى أنه بحلول شهر ديسمبر، بلغ عدد من مرضوا بسبب الحليب الملوث أكثر من 300 ألف شخص، منهم 50 ألف طفل تطلبت حالتهم الحجز في المستشفيات، ولقي 6 منهم مصرعهم على رغم العناية الطبية الفائقة. ويعود السبب في كون جزء كبير من الضحايا هم من الأطفال، وكون جميع الوفيات وقعت بين الأطفال الرضع، إلى قدرة "الميلامين" على التسبب في حصاوي الكلى، وبنسبة تبلغ سبعة أضعاف مقارنة بالبالغين حسب دراسة نشرت في إحدى الدوريات العلمية المرموقة. وفي الحالتين، الألمانية والصينية، كانت أوبئة التسمم واسعة النطاق هذه نتيجة سلوك إجرامي بهدف تحقيق الربح السريع، حيث كان الهدف من إضافة "الميلامين" هو رفع محتوى الحليب من النيتروجين، بشكل لا يسمح لاختبارات الجودة من قبل الجهات الرسمية باكتشاف حقيقة أن الحليب المورد من قبل المزارع والشركات الصغرى قد تم تخفيفه بالماء لزيادة وزنه النهائي، وتحقيق ربح أكبر، وهو ما عاقبت المحاكم الصينية البعض عليه بالحكم بالإعدام، بينما لا زالت الجهات الألمانية تتحرى كيفية وصول "الديوكسين" إلى علف الحيوانات، ومزارع الدجاج. ويعتبر التلوث بالمواد الكيميائية مثل "الديوكسين" أو "الميلامين" سواء عن قصد أو عن غير قصد، مجرد نوع واحد من أنواع التسمم الغذائي، الذي يأخذ صوراً وأشكالاً عديدة. ولغرض التبسيط يمكن تقسيم التسمم الغذائي إلى نوعين رئيسيين؛ الأول ينتج عن وجود ميكروب أو جرثومة في الغذاء، والثاني ينتج بسبب وجود سموم في الغذاء، سواء كانت هذه السموم كيميائية اصطناعية، أو سموماً طبيعية ناتجة عن مخلفات العمليات الحيوية للجراثيم التي تعيش داخل الطعام. وهذا يعني أن النوع الأول، هو في حقيقته شكل من أشكال العدوى، تقع الإصابة بها من تناول غذاء ملوث بالبكتيريا أو بالفيروسات أو بالطفيليات، لتغزو على إثرها تلك الجراثيم الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، وتسبب حزمة متنوعة من الأمراض. أما النوع الثاني، فهو ببساطة نوع من التسمم، تظهر فيه الأعراض والعلامات بسبب دخول كمية من السم إلى الجسم، فتسبب اضطراب أعضائه وأجهزته الحيوية. ولذا يعتبر الأطباء استخدام مصطلح التسمم الغذائي للتعبير عن جميع هذه الحالات استخداماً خاطئاً، ويفضلون استخدام مصطلح "الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء" للتعبير عن الحالات التي تنتج عن عدوى بميكروب، وعن الحالات التي تنتج من مخلفات وسموم الجراثيم. ويتعرض الملايين من البشر كل عام للمرض الشديد نتيجة استهلاكهم لأطعمة أو مشروبات ملوثة، ليلقى كثيرون منهم حتفهم من جراء الجراثيم أو الميكروبات أو الملوثات الأخرى التي تدخل لأجسامهم مع طعامهم، وهو ما تظهره حقيقة أن أمراض الإسهال الناتجة عن التلوث الغذائي تتسبب في وفاة مليون ونصف مليون طفل سنويّاً، بالإضافة إلى عدد كبير من البالغين. وكما هي الحال في جميع الأمراض الأخرى تعتبر الوقاية هي أفضل سبيل للتعامل مع التسمم الغذائي، خصوصاً غسل اليدين قبل تحضير الطعام وقبل الأكل، وحفظ الطعام بشكل جيد داخل الثلاجات المنزلية، وتجنب إعادة تسخين الطعام قدر الإمكان، والالتزام بتاريخ الصلاحية الموجود على العبوات، وطهي اللحوم إلى درجات حرارة كافية، وغيرها. ويسعى البعض إلى خفض عدد حالات الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق الغذاء من خلال تعريض الغذاء للإشعاع، أو تشعيعه بهدف قتل الجراثيم، مثل الميكروبات والفيروسات، والحشرات، التي قد تتواجد في الأطعمة، مما يمنع فسادها، ويحول دون انتقال الأمراض إلى البشر عند استهلاكها. وإن كان ليس من الواضح كيف سيمكن لهذه النصائح، والأساليب الحديثة في حفظ الطعام، منع التسمم بـ"الديوكسين" أو بـ"الميلامين"، وغيرهما من السموم التي تنتجها العلميات الصناعية الحديثة، وتجد طريقها إلى غذائنا وغذاء أطفالنا.