جوانب عديدة تثير القلق والانزعاج في حادث التفجير الذي وقع أمام كنيسة "القديسين" بالأسكندرية، ليلة رأس السنة الميلادية، من بينها الجانب الإنساني البحت المتعلق بالفظائع الناتجة عن الجريمة الإرهابية، والذي يتمثل في موجات المرارة والألم القاسي حيث الرؤوس البشرية المنفصلة عن أجسادها والأشلاء المتناثرة الممتزجة لمسيحيين ومسلمين على حد سواء، وحيث الفزع البادي على وجوه الناجين الذين يبحثون عن أهاليهم بين الضحايا. ومن هذه الجوانب، جانب ضميري كمسلم تربى على معاملة المسيحيين المصريين كأخوة في الوطن وجيران في السكن وزملاء في الدراسة، وكرفاق في خنادق القتال ذوداً عن مصر وتصدياً لأعدائها الخارجيين سواء العدوان الثلاثي الذي وقع عام 1956 من جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل أو في معركة 1967 أو معركة الاستنزاف ضد القوات الإسرائيلية من 1967 إلى 1970 أو حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. مبكراً، علمني أبي الشيخ الأزهري رحمه الله القاعدة الشرعية الإسلامية التي ترسخ فكرة الحقوق المدنية المتساوية بين المسلمين وأهل الذمة، وهي القاعدة القائلة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا". الجانب الثالث الذي يدعو للقلق والانزعاج ذلك الخلط الذي قام به بعض المسيحيين المصريين في خضم دوامة الصدمة والألم بين الجريمة الإرهابية وبين المطالب المدنية والدينية القابلة للنقاش المدني. لقد ذهب البعض في إطار هذا الخلط الخطر إلى القول إنه يعتبر الجريمة الإرهابية نتيجة طبيعية للاحتقان الطائفي القائم، بل وإنها إفراز له. بمعنى أن من قاموا بالجريمة الإرهابية هم من العناصر المتطرفة بين المسلمين، والتي ترفض حصول المسيحيين على مطالبهم في بناء الكنائس أو الحصول على نصيب في الوظائف القيادية بالدولة. هذا الخلط شديد الخطورة حيث يجمع بين مطالب دينية ومدنية من ناحية وجريمة إرهابية في سياق واحد لا يستقيم، يسمح للقوى الخارجية مثل بابا الفاتيكان بالقول: "إن على المجتمع الدولي أن يوفر الحماية للمسيحيين في الشرق الأوسط". إذا سألني القارئ عن أخطر الجوانب التي تثير القلق في هذه الجريمة وتداعياتها، فإنني أقول إنه جانب استدعاء القوى الخارجية والأجنبية. الحقيقة كما أراها أن من قاموا بهذا العمل الإرهابي يتبعون النهج نفسه المتبع في الهجوم على نيويورك وواشنطن مطلع العقد الماضي. إنه ببساطة نهج استفزاز قوى العدوان والنزعات الاستعمارية الكامنة في بعض دول الغرب واعطائها الحجج اللازمة لتأتي غازية ومحتلة ومدمرة كما حدث في العراق وقبلها في أفغانستان. إذن هل يحق لي افتراض أن الموساد الإسرائيلي يقف بطريقة أو بأخرى خلف منفذي العمليات الإرهابية ليصل في النهاية إلى نتيجة استدعاء القوى الأجنبية للتدخل في أجزاء جديدة من الخريطة العربية؟ أعتقد أن هذا الافتراض حق لي ولكم، ستتكشف أبعاده مع الأيام سواء كان المنفذ الذي يطل في الواجهة متطرفاً مسلماً أو متطرفاً مسيحياً.