منذ زمن، والروائيون الهنود يحظون بالتقدير والاحتفاء في المحافل الأدبية، بعدما دخلوا بقوة إلى عالم الأدب وفرضوا وجودهم بين جمهور القراء وأوساط النقاد، بل احتلت روايتهم المراتب الأولى من حيث المبيعات سواء في نيويورك أو لندن. فكُتاب مثل "فيكرام سيث" على سبيل المثال نجحوا في نسج التاريخ والثقافة الهنديين مع التجرية الشخصية للإنسان لإنتاج ملاحم كبيرة تحولت إلى روايات كلاسيكية حظيت باستقبال باهر من قبل النقاد والقراء على حد سواء، لكن في الوقت نفسه، ظهر جيل جديد من الكُتاب الهنود لا يدعي الحظوة ذاتها لدى النقاد، فرواية مثل "خناجر في قاعة التحرير"، التي تروي قصة صحفية شابة بلغة بسيطة لا تتقيد بالضرورة بقواعد النحو أو البلاغة، حققت حسب مؤلفتها "راشمي كومار"، الصحفية وصاحبة أول رواية، نسبة توزيع وصلت إلى 20 ألف نسخة منذ شهر فبراير الماضي بالنظر إلى سعرها المنخفض الذي لا يتجاوز 95 روبية، وتمثل الرواية جيلاً جديداً من الكتابات الهندية التي تتخذ من الحياة المعاصرة للهنود مادتها الأساسية وموضوعها الرئيسي متتبعة تجربة الشباب الهندي سواء في المدن أو الأحياء أو في المكاتب ومقرات العمل، وبالنظر إلى طابعها الخفيف وابتعادها عن الموضوعات الكبرى للروايات التقليدية والكلاسيكية التي ميزت الأدب العالمي تتجه الروايات الجديدة إلى جيل من الهنود يندرج في فئة عمرية بين 16 و24 سنة، وفيما يعبر النقاد عن امتعاضهم من الروايات الجديدة لخلوها من أي قيمة أدبية رفيعة وللغتها المستخدمة التي تقترب من اللغة العامية، يرحب الناشرون بها لما تحققه من أرباح، وهو ما يعبر عنه "أنوج بهري"، الذي يدير مكتبة مهمة في دلهي، قائلاً "إن الروايات الجديدة هي الوسيلة الوحيدة التي تدر علينا الأرباح". ومع أن المكتبات الهندية التي تفتقد عموماً لأجهزة الكمبيوتر ومن ثم يصعب الاستناد إلى التقديرات التي تقدمها في هذا الخصوص، فإن الناشرين الذين يرعون الروائيين الجدد ويقدمونهم للقراء يقرّون أيضاً بالأهمية التجارية لروايات الجيل الجديد من الكتّاب الهنود وقدرتها على اختراق شرائح واسعة من القراء، لا سيما في ظل التوسع الذي تشهده الطبقة الوسطى الهندية حالياً وتحسن مستوى معيشتها، هذا بالإضافة إلى تراجع الأمية في المجتمع الهندي ودخول الشباب إلى عالم القراءة، وهو ما يفسر التوزيع الكبير للصحف في الهند التي باتت البلد الأول في العالم من حيث توزيع الجرائد متقدمة على الصين. ولا يقتصر الأمر على الصحف بل يمتد الطلب على الكتب، فحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "الكتاب الوطني" يُقدر عدد القراء في الهند بين 13 و35 سنة بحوالي 83 مليوناً، كما أن 75 في المئة منهم قالوا إنهم يقرؤون مرة واحدة على الأقل في الأسبوع. ويرجع العديد من المراقبين الصعود الكبير لظاهرة الروايات الجديدة في الهند وتنامي الإقبال على القراءة بصفة عامة إلى النجاح الكبير الذي حققه "شيتان باجات" الذي تحول من مصرفي ناجح إلى روائي تتصدر إنتاجاته الأدبية قائمة المبيعات، فمنذ العام 2004 باعت روايته أربعة ملايين نسخة، كما اقتُبست ثلاث من روايته للسينما ما دفع مجلة "تايم" الأميركية إلى إدراجه في قائمتها لأكثر مائة شخصية نافذة في العالم، وفي هذا السياق يقول "كابيش ميهرا"، المدير التنفيذي لإحدى كبريات دور النشر في الهند التي تنشر كتباً باللغة الإنجليزية، إن "باجات" هو أحد الروائيين المشهورين في الهند لأنه يستهدف طبقة الشباب متحدثاً بصوتهم وعاكساً لوجهة نظرهم، وهو يستخدم من أجل ذلك اللغة الإنجليزية كما يتحدث بها الشباب الهندي مكسرة وتتخللها العديد من العبارات الهندية والاختصارات المعروفة في أوساط هذه الشريحة من السكان. وفيما تتسابق دور النشر الهندية على توقيع عقود نشر مربحة مع أمثال الروائي الناجح "باجات" يحاول جيل جديد من الروائيين الهنود اقتناص الفرصة وتلبية الطلب المتزايد على الروايات الخفيفة التي يقبل عليها الشباب على نحو خاص، لذا تعمل تلك الدور على تمويل كتب الشباب وتعهدهم بالرعاية وتقديمهم إلى جمهور القراء علهم ينجحون في اختراقه، والنتيجة هي تضخم عدد العناوين المنشورة، أو تلك التي تنتظر دورها واستياء كبير في أوساط النقاد التقليديين الذين يقيمون العمل الروائي على أساس معايير جمالية وأدبية صارمة. هذا الاستهجان للروايات الجديدة عبر عنه أحد النقاد الذي يعرض الروايات في مجلة أدبية هندية قائلاً: "إنه باستثناء بعض العناوين الجيدة تبقى الروايات الأخرى، التي لا يتعدى سعرها المائة روبية ضعيفة للغاية"، ورغم اتفاق صاحب المكتبة "أنوج بهري" مع رأي الناقد الأدبي إلا أنه على الأقل، حسب قوله، يساعد الشباب على نشر كتبهم، وربما يبرز بينهم من يرضى عليه النقاد، هذا بالإضافة إلى الإيرادات المهمة التي تحققها الروايات الجديدة؛ وقبل كتابة روايتها "خناجر في قاعة التحرير" تفرغت مؤلفتها "كومار" لستة أشهر عكفت على إتمامها وتقديمها للجمهور، وهي قصة تحكي تجربة بسيطة لصحفية شابة تشق طريقها المهني وفي نفس الوقت تنسج علاقة عاطفية مع أحد زملائها التي تنتهي بالزواج، هذه القصص البسيطة والمنسوجة في قالب روائي ممتع تجتذب القراء، لأنها تخاطب حاجة متنامية لدى الشباب بتناول حياتهم اليومية وتجاربهم الشخصية بكل ما تحمله من آمال وإحباطات. سيمون مونتليك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"