يتعين على كل رئيس أميركي مواجهة تحدٍ رئيسي من شأنه تعبئة الإرادة القومية العامة وكتابة صفحة جديدة من قصة النجاح الأميركي. ولا تزال ترسخ في الذاكرة العامة فترة الرئيس الأسبق كنيدي، بسبب التزامه بإرسال أول إنسان إلى سطح القمر خلال عشر سنوات، وكان لنا ذلك بالفعل. أما الرئيس الأسبق ريجان، فأعلن عزم أميركا على هزيمة الشيوعية، وقبل أقل من عام عقب مغادرته البيت الأبيض، انهار حائط برلين دون إطلاق رصاصة واحدة لإنجاز تلك المهمة. وفي عالم اليوم فإن مرض الزهايمر يمثل التحدي الرئيسي لعصرنا هذا. وسرعان ما أصبح هذا المرض أحد أهم قضايانا العامة ومن أكثر الأمراض تكلفة مالية. وعقب مصادقة مجلس النواب على "قانون مشروع الزهايمر" مؤخراً، فسوف يرفع هذا التشريع إلى أوباما كي يوقع عليه ويصبح قانوناً سارياً. وكانت إجازة القانون المذكور من قبل مجلس النواب، خطوة أولى نحو بلورة خطة استراتيجية قومية لمكافحة الزهايمر. وهذا ما يدعونا لوضع هدف قومي يرمي إلى هزيمة الزهايمر في غضون عشر سنوات من الآن. فإذا كان كنيدي قد تمكن من إرسال أول بعثة إلى القمر خلال عقد واحد، فلماذا لا نعمل الآن على إرسال بعثة مشابهة إلى دماغ الإنسان، بمعنى أن نعكف على توظيف آخر ما توصلت إليه البحوث البيولوجية الطبية بغية إيجاد علاج ناجع لهذا المرض، وغيره من الأمراض العصبية الأخرى التي تتأثر بها ملايين الأسر الأميركية؟ والملاحظ أن بلادنا لا تزال مستغرقة حتى الآن في حوار عام ساخن بشأن مستقبلها المالي. لكن من التحديات الكثيرة التي تواجهنا، التداخل بين المهددات المالية والصحية للشيخوخة. وكما نعلم فإن تكلفة الرعاية الصحية للمسنين الأميركيين، تمثل أكبر مسببات تضخم الإنفاق الحكومي. كما أن الأمراض المزمنة التي يعانيها المرضى الذين يستفيدون من خدمات "مديكير" وميديكيد" لا تكف عن استنزافها لعائلات هؤلاء المرضى مالياً ونفسياً. وقد حان الوقت لتجاوز حالة اليأس والانحياز الحزبي في مناقشة مستقبل بلادنا المالي، وأن نستبدل هذه الروح الانقسامية الحزبية بأهداف جديدة تقوم على رؤية مستقبلية قادرة على استقطاب الإرادة الأميركية المبتكرة والخلاقة، وحفز الروح القومية العامة. وفي سياق البحث عن مثل هذه الأهداف الكبيرة، فإنه يتعين علينا اعتبار مرض الزهايمر وباءً عاماً يصيب الملايين من مواطنينا. فهو يقتل نحو 5.3 مليون أميركي سنوياً، بينما يهدد حياة حوالي 11 مليوناً آخرين. وغالبية المرضى من النساء اللائي تجبرهن الظروف العائلية على مغادرة سوق العمل من أجل الاهتمام برعاية أحد الأقارب أو أفراد العائلة، في ذات الوقت الذي يواصلن فيه الاعتناء بأطفالهن. ويكاد يعرف كل فرد، بين ما يزيد على نصف الأميركيين، شخصاً واحداً على الأقل مصاباً بالمرض، وفقاً لنتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "شريفر" والمنظمة الأميركية لمكافحة الزهايمر. والحقيقة أن الزهايمر مرض عائلي، يؤثر على الصحة العاطفية والبدنية والمالية لعدة أجيال من الأميركيين. كما ندرك فداحة تأثير هذا المرض على الحياة العائلية سنوياً. فما أكثر الأزواج الذين يصابون بالمرض، وكذلك عدد الآباء الذين يقعون ضحية له. ويجب القول إن نصيب الأسد من تكلفة علاج المصابين تتحملها الأسر، مع العلم أنها تكلفة باهظة جداً. ولهذا السبب فقد ارتفعت ميزانية إنفاق "مديكير" سلفاً لتتجاوز الـ24 مليار دولار سنوياً على المرضى الذين أفلست عائلاتهم بسبب تكلفة الرعاية الطبية لمصاب من أشخاصها. وبالمقابل سوف تتسارع زيادة عدد المصابين بالمرض باطراد خلال السنوات المقبلة، ما يعني تأثير المرض سلباً على القدرة الإنتاجية الأميركية جراء خروج أعداد متزايدة من سوق العمل. وفي الوقت نفسه سوف تتصاعد تكلفة رعاية المصابين. فاليوم تتجاوز تكلفة الإنفاق السنوي على المصابين بالزهايمر 170 مليار دولار، ويقدر لها أن تصل تريليوني مليار دولار خلال العقد المقبل. ولما كان هذا هو التحدي القومي الكبير الذي يواجهنا، فعلينا التساؤل عن أنجع الوسائل والاستراتيجيات لمكافحة الوباء؟ وفي الإجابة عن السؤال، علينا القول مباشرة إنها: العلاج والوقاية من المرض. فهاتان الوسيلتان لا تمثلان الطريقة المثلى لمكافحة المرض فحسب، بل كذلك الاستراتيجية الأكثر محافظةً وخفضاً لتكلفة مكافحة الوباء أيضاً. ولنذكر بهذه المناسبة أن مرض شلل الأطفال، كان وباءً عاماً يقتل ويقعد الملايين من أطفالنا في وقت من الأوقات. لكننا واجهناه وتغلبنا عليه بابتكار مصل مضاد له. وفي ذلك الوقت لم تقتصر استثماراتنا على تحسين الكراسي المتحركة والأجهزة المساعدة على المشي وغيرها فحسب، بل استثمرنا أيضاً في تطوير مصل مبتكر للوقاية من المرض. ولا يكاد مجتمعنا اليوم ينفق شيئاً على مرض شلل الأطفال، بعد أن سدد المصل الواقي من المرض تكلفة إنتاجه بما يزيد عليها ملايين المرات. وفي منتصف الثمانينيات كان قد تفشى بين مجتمعنا مرض الإيدز. وكلنا شمرنا عن ساعد الجد وتمكنا من تحويل ذلك المرض القاتل إلى إصابات يمكن السيطرة عليها. صحيح أن الحكومة أنفقت على ابتكار الأدوية والعقاقير الطبية المضادة للإيدز نحو 10 مليارات دولار، لكنها وفرت بالمبلغ نفسه حوالي 1.4 تريليون دولار هي تكلفة علاج المصابين بالإيدز. وبالمثل، فإن علينا تطبيق الاستراتيجية نفسها على مكافحة الزهايمر. ذلك أن أفضل طريقة لخفض تكلفته هي التخلص منه بابتكار وسائل الوقاية والعلاج اللازمة لمكافحته والقضاء عليه. ------- ساندرا دي أوكونور قاضية مشاركة سابقاً في المحكمة العليا الأميركية ماريا شريفر سيدة ولاية كاليفورنيا الأولى ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"