المحاولة التي يقوم بها التيّار "الإصلاحي" لإحداث تغيير في مسارات الثورة الدينية في إيران، قد وصلت على ما يبدو إلى طريق مسدودة. فجميع محاولات "الإصلاحيين" لإظهار قوتهم في مواجهة أركان النظام الحاكم ومؤسساته الأمنية والعسكرية لم تفلح حتى الآن في إحداث التغييرات المطلوبة، وربما أن العكس هو الذي حدث. وفي هذا السياق زادت موجات العنف ضد المتظاهرين احتجاجاً على نتائج انتخابات 2009، وسقط العديد من الجرحى والقتلى في صفوفهم، وأدت إلى أن تتمكن المؤسسات الأمنية من إحكام قبضتها على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. النظام الإيراني الحاكم يؤمن بأن دولاً غربية هي التي تحرك التيّار "الإصلاحي" ضده، ففي خطبة له يوم الجمعة 18 يونيو 2010، ركّز "المرشد الأعلى للثورة" على أن إيران "ليست جورجيا"، وعليه "فإن القوى الغربية لا تستطيع إحداث ثورة مخملية فيها". وهذا الطرح يعكس قلق التيّار "المحافظ" الشديد من الممارسات التي تقوم بها جهات غربية محددة ضد وجوده في السلطة. ولكي يتأكد التيّار "المحافظ" من عدم قدرة التغلغل الخارجي النفاذ المؤثر إلى الحياة السياسية الإيرانية، قام بتحريك المؤسسات الأمنية التابعة له، لكي تقف بقوة ضد ما يعرف بالحركة "الخضراء" التي يقوم بها التيار "الإصلاحي". وإلى هذه اللحظة، يبدو بأن اعتماد "المحافظين" على تلك المؤسسات يبدو وقد أتى بنتائج إيجابية في صالحهم، فالحركة "الخضراء" التي أقدمت على تحركات سلمية طيلة الأشهر الماضية، تقلص ما تقوم به إلى مجرد مظاهرات متفرقة ضد النظام تحدث هنا أو هُناك، دون أن يكون لها نتائج ملموسة. لكن من المسلَّم به أن اعتماد التيار "المحافظ" على هذا الأسلوب له محاذيره أيضاً، فتدخل المؤسسات الأمنية والعسكرية في السياسة يضعف من سلطة رجال الدين في جميع المستويات، وسلطة النظام الحاكم ذاته بشكل خاص، ويفسح مجالاً واسعاً أمام بروز طبقة جديدة تنحدر من كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية تسيطر على مقدرات البلاد. من قراءتنا المتعمقة للسلطة والنظام السياسي منذ أن نجحت الثورة في إيران عام 1979 نجد بأن السلطة كمنت بشكل تقليدي في يد تحالف قائم بين رجال الدين والمؤسسات الأمنية، وضمن هذا التحالف الأساسي تقسيماً واضحاً للعمل بين رجال الدين وقيادات المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهو تقسيم يقره الدستور الإيراني من "أجل حماية الثورة ومنجزاتها ضد كافة الأعداء الداخليين والخارجين". لكن تأييد المؤسسات الأمنية والعسكرية ل"المحافظين" لا يمكن أن يكون دون ثمن، ففي مقابل وقوف تلك الأجهزة ضد الجماعات "الإصلاحية" كالحركة "الخضراء" لابد لـ"الإصلاحيين" أن يقدموا قدراً من النفوذ السياسي والاقتصادي، وحتى الأيديولوجي لتلك الأجهزة، وربما أن الثمن الباهظ الذي سيدفعه "المحافظون" مقابل انتصاراهم على "الإصلاحيين" هو أن تتحول إيران إلى شكل جديد - قديم من أشكال نظم الحكم في العالم النامي يصبح فيه رجال الدين رهينة في يد مؤسسات أنشأوها بأنفسهم.