بعد تفجيرات العراق التي استهدفت المسيحيين في كنيسة "سيدة النجاة"، وبعد التهديدات التي وجهت إليهم قبل الأعياد في نهاية العام الفائت. وبعد نصف ساعة من بداية العام الحالي-بتوقيت المنطقة- تم تفجير سيارة أمام "كنيسة القديسين" في الإسكندرية أوقعت عدداً من القتلى والجرحى في صفوف المسيحيين الذين كانوا يصلون في الكنيسة. وسبق ذلك مشاكل مع الأقباط في القاهرة أدت إلى مظاهرات وحركات احتجاجية. في الإسكندرية، وفي رد فعل عفوي، خرج المسيحيون ليرموا مسجداً يقع في مقابل الكنيسة بالحجارة، وأدى ذلك إلى اشتباك مع رجال الأمن. واضح أن ثمة مشروعاً لضرب الوحدة الوطنية في المنطقة، من خلال الترهيب والتهديد والقتل والتهجير والاستهداف الدائم. وثمة استعداد في الغرب لاستقبال المسيحيين المهجرين الناجين من المجازر والتهديد. العنوان هو الحماية لكن المضمون ليس بالضرورة أنه يخفي أو ينسجم مع العنوان. فلو كان الهدف حماية المسيحيين لكان بالإمكان حمايتهم حيث هم ومعالجة أسباب تهجيرهم أو هجرتهم. فالأنظمة المعنية هي حليفة هذا الغرب، نظام صدام في العراق كان حليف الغرب في الأساس. وبعد صدام مرحلة صنعها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية التي رفعت شعاراً للتغيير والوصول إلى شرق أوسط جديد تعمّه الديمقراطية، حتى اكتشف العالم ولو متأخراً أن الحرب على العراق كانت مقررة قبل حصول العمل الإرهابي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001، وتم تنفيذها فوراً بعد هذا العمل وكان الاستناد إلى تقارير وهمية عن أسلحة الدمار الشامل واعترف المسؤولون لاحقاً أن التقارير فعلاً كانت غير صحيحة وأن الحرب أدت إلى نتائج غير متوقعة... في النهاية الحرب أدت إلى الفوضى، والفتنة بين المسلمين والمسيحيين من خلال استهداف الأخيرين، وبين السنّة والشيعة وهي لا تزال مستمرة. وإسرائيل كانت في أساس هذه الحرب، إضافة إلى النتيجة الحتمية لما جرى هناك ولما يجري في فلسطين من انتهاك حرمات ومقدسات وقتل وتهجير وتشريد ومصادرة أراض مما ضاعف الكراهية والحقد وخلق مناخاً من التطرف سمّاه البعض أصولية وسمّاه البعض الآخر إرهاباً. ولقد نجحت إسرائيل في الربط بين الأصولية الإسلامية والإرهاب أو قل بين الإسلام والإرهاب من خلال الحملة الدبلوماسية السياسية الإعلامية التي شنتها عبر أجهزتها المختلفة في العالم وهي المستفيد الأكبر مما يجري اليوم. نعم، المشهد في العراق مؤلم، والمسيحيون في قلق، وهم يتركون بلادهم ويصبح العراق بلد الفتنة لا بلد التنّوع. والفتنة تطرق باب مصر، المهددة بأمنها واستقرارها وتنوعها ووحدتها ومياهها وهي جارة السودان الذي ينقسم على أسس طائفية: الجنوب السوداني دولة مستقلة مسيحية "فعلياً"، والشمال دولة أخرى يعلن حكامها أنها ستخضع للشريعة الإسلامية وثمة من يخالف ويعارض ذلك. وفي العراق حديث عن التطرف "والقاعدة" و"الإرهاب". وكذلك في عدد آخر من الدول العربية. هكذا تتفرغ إسرائيل لتحقيق أهدافها في الداخل فتفرغ المناطق من المسيحيين وتصادر الأراضي وتواجه المؤمنين مسيحيين ومسلمين وتركز احتلالها وتمارس إرهابها والعالم مشغول عنها وبعضه يغطيها. وهو منشغل أيضاً بما يجري في العراق ومصر واليمن والسودان وأفغانستان وعينه على دول المنطقة الأخرى من إيران إلى جوارها. نعم، إن ما يجري اليوم يخدم إسرائيل فقط. وهي وإن لوحّت بالحرب ضد لبنان أو سوريا أو إيران فهي لن تفعل شيئاً الآن ليس لحسن نواياها بل لأنها ليست بحاجة إليها. هي تنفذ ما تريد في فلسطين وأولويتها هي فلسطينية وهدفها هو فلسطين. وهي في الوقت ذاته ترى العالم العربي مندفعاً بطريقة أو بأخرى نحو الفوضى والطائفية والمذهبية. إن استهداف المسيحيين سيولّد حالة طائفية وصراعاً طائفياً خطيراً، وأحقاداً وانغلاقاً وهجرة لمن هو قادر على ذلك، وبالتالي سيولّد فتنة طائفية بين المسيحيين والمسلمين في ظل هذه الفوضى. كما سيؤدي إلى فتنة مذهبية سنّية – شيعية كما نرى ملامح التخطيط لذلك والتحريض وافتعال المشاكل من تفجيرات واغتيالات ومسلسلات واتهامات متبادلة من العراق إلى لبنان وتحركات في الكويت والبحرين ومواقع مختلفة، وفي الوقت ذاته سيكون خلاف وربما صدام داخل البيئة السنية تحت عنوان مواجهة حالة التطرف والإرهاب. في مثل هذه الحالة، قد يدخل أي طرف على الخط، وينفذ ما يريد من أعمال عنف وتفجير وقتل واستهداف وتحريض وتضيع الحقيقة، والمستفيد الدائم والأول والوحيد هو إسرائيل. المشكلة أن كثيرين يقرأون هذه القراءة، أو يحذرون من الفتن، لكن بعضهم لا يفعل شيئاً لمواجهتها، والبعض الآخر لا يفعل إلا ما يؤدي إليها، ولو عن غير قصد، فيما يبقى الباقون عاجزين. هي أخطر مرحلة نعيشها، وأخطر ما فيها حالة الضياع أو الشعور بعدم القدرة على التأثير أو العجز. وهذا بحد ذاته يدعو إلى حد أدنى من التعاون والتضامن العربي دون مكابرة وإلا سقط الجميع في الفتنة أو أمام تداعياتها ونتائجها. وبالإضافة إلى ذلك ينبغي المزيد من التواصل مع الفاتيكان والحركة السياسية والدبلوماسية والإعلامية في العالم الغربي، لإبراز الصورة الحقيقية عن العرب والمسلمين. منذ سنوات ونحن نقول هذا الكلام ولم نرَ إلا الشيء القليل القليل من العمل الذي تجاوزته الأحداث. فهل نرى إقداماً بعد هذه التطورات؟