مضت عشرة أعوام ونيف على ذلك اليوم المشهود الذي شهد الهجمات الرهيبة على رموز القوة الاقتصادية والعسكرية في الولايات المتحدة الأميركية. ففي الحادي عشر من سبتمبر 2001 نفذ 19 رجلاً على صلة بتنظيم "القاعدة" هجوماً بطائرات مدنية مختطفة على برجي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون. وقد أدت تلك الأحداث الخطيرة إلى إحداث تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية لواشنطن بدأت بإعلانها الحرب على الإرهاب، وشن حرب على أفغانستان، وعلى العراق. وبعد ثماني سنوات على ذلك اليوم لا تزال قوات "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة تخوض حرباً ضروساً ضد "طالبان" التي أعادت تنظيم نفسها على ما يبدو. وفي الكتاب الذي نعرضه هنا وعنوانه "أطول الحروب... داخل الصراع المستمر بين أميركا والقاعدة"، يقول "بيتر برجين" المحلل السياسي المعروف، إن "القتال لا يزال محتدماً في أفغانستان وليست هناك أي بادرة في الأفق على قرب انتهائه". ويقدم المؤلف عرضاً شاملاً لمراحل تطور هذه الحرب، بدءاً بالاستراتيجية التي صممتها الولايات المتحدة مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لغزو أفغانستان (عملية الحرية المستديمة) التي كان الهدف المعلن لها هو العثور على ابن لادن وكبار قادة "القاعدة" وتقديمهم للمحاكمة، مع العمل في نفس الوقت على تدمير البنية الأساسية للتنظيم وإسقاط نظام "طالبان" الذي كان يأويه. وبعد الإطاحة بحكومة "طالبان"، تم إطلاق "عملية القوة الدولية للمساعدة الأمنية" (إيساف) المخولة من الأمم المتحدة، والتي كان الهدف منها مساعدة حكومة كارزاي وتوفير بيئة آمنة في كابول ومحيطها ودعم إعادة إعمار أفغانستان. ثم وسعت الأمم المتحدة تفويضها في عام 2003 لتشمل كافة الأراضي الأفغانية. وفي أغسطس 2004 تولى "الناتو" قيادة عملية"إيساف" حتى يومنا هذا حيث لا يزال القتال محتدماً، ليس في أفغانستان فحسب بل في باكستان أيضاً حيث يقوم مقاتلو "طالبان" بالعبور من ملاذاتهم الآمنة في المنطقة الشمالية الغربية من باكستان لضرب قوات "الناتو" في أفغانستان، وتقوم الطائرات الأميركية من دون طيار بضرب تلك الملاذات مما يوقع خسائر فادحة بمقاتلي الحركة وبالمدنيين الأبرياء على حد سواء. ويقدم المؤلف عرضاً شاملاً لنجاحات وإخفاقات تلك الحرب بالنسبة للطرفين، ومراحل المد والجزر فيها، ليس من وجهة النظر الأميركية فحسب، وإنما من وجهة نظر "القاعدة" و"طالبان"، وكذلك من وجهة نظر الأطراف المحايدة. ولتحقيق ذلك الهدف، يجمع المؤلف عدداً كبيراً من الأحاديث والخطب والتصريحات، ويذهب لبيوت عائلات بعض أعضاء "القاعدة" وخصوصاً العناصر القيادية فيها، محاولاً استكشاف الأسباب التي تجعلهم على هذا القدر من الإخلاص والولاء لقضيتهم، والذي يرى أنهم يستمدون منه القدرة على الاستمرار في القتال. كما يقضى وقتاً طويلاً في مكاتب كبار المسؤولين الذين يقومون بصياغة الجهود الأميركية الاستراتيجية الرئيسية في المنطقة. ويمكن القول إن المؤلف ينسج ببراعة فائقة الرواية الكبرى لتلك الحرب، وذلك بتضفير معلومات مستمدة من وثائق حصل عليها من"القاعدة" ومن مكاتب المسؤولين الأميركيين المتخصصين في مكافحة الإرهاب. وهو لا يكتفي بعرض تلك الروايات فحسب بل يوازن بينها محاولاً من خلال ذلك بيان الطريقة التي تطور بها تنظيم "القاعدة"، منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن، والطرق التي استجابت بها الولايات المتحدة لذلك التطور. ويكشف المؤلف بعض الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها الطرفان، وكيف أن الهجوم الذي شنته "القاعدة" على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر، والذي أدى إلى مصرع ما يقرب من ثلاثة آلاف مدني، قد قوض قضيتها، ونزع عنها صفة العدالة، وأفقدها قدراً معتبراً من التعاطف الذي كانت تتمتع به في بعض مناطق العالم الإسلامي. ليس هذا فحسب، بل إنه أدى إلى إلحاق ضربة مدمرة بحركة "طالبان"، ومن ثم القضاء على الملاذ الآمن الذي كانت تنعم به "القاعدة" في أفغانستان الطالبانية وقد اتخذتها قاعدة للتجنيد والتدريب، ومنطلقاً لدعم قضيتها... مما جعل التنظيم -حسب رأي المؤلف- يخسر "حرب الأفكار" في العالم الإسلامي. كما أدى ذلك الخطأ الاستراتيجي من "القاعدة" إلى آثار أكثر فداحة ليس أقلها تدمير بلدان إسلامية وقتل مئات الآلوف من أبنائهما. بيد أن الحرب في أفغانستان والعراق قوضت سمعة الولايات المتحدة وصورتها الأخلاقية في العالم، خاصة بسبب الهجمات المستمرة التي تقوم بها طائراتها التي تطير بدون طيار، وكذلك وسائل الاستنطاق والتعذيب التي تعرض له المعتقلون في قاعدتي باجرام وجوانتانامو، علاوة على عمليات الاختطاف والتعذيب التي مارستها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وفي نهاية الكتاب، يقدم المؤلف نقداً لاذعاً لما يصفه بفشل حكومات كلينتون وبوش وأوباما على التوالي في تقييم تهديد "القاعدة"، ورسم الاستراتيجية المناسبة لمواجهته، وهو ما أدى إلى كافة التطورات التي حدثت والتي كانت سبباً في الكثير من الكوارث وسبباً في استمرار الحرب في أفغانستان والتي لا تزال رحاها تدور بلا هوادة حتى الآن. سعيد كامل الكتاب: أطول الحروب... داخل الصراع المستمر بين أميركا والقاعدة المؤلف: بيتر برجين الناشر: فري برس تاريخ النشر: يناير 2011