خلال الانتخابات النصفية هذا الخريف، سمعنا كثيراً عن كيف أن بلدنا بات محطماً، وكيف أن نظامنا بات مختلًا، وكيف أن مستقبلنا بات قاتماً. وسمعنا من "اليسار"، و "اليمين"، وما بينهما. وأعلمُ أنني لست الوحيدة التي ضاقت ذرعاً بهذا الخطاب؛ ولذلك، أجدني أرغب في الاستماع إلى أصوات مختلفة، وأفكار مختلفة، وحلول مختلفة. وقد أتيحت لي فرصة القيام بذلك عندما اتصلت بي شركة "ليفاي ستراوس آند كو" قصد التعاون معهم حول دراسة جديدة، "تشكيل مستقبل جديد". وكان هدف هذه الدراسة، هو الاستماع إلى أصوات فئة غير ممثلة بشكل كاف: فتيات اليوم. بدأنا التحقيق في حياة شابات اليوم، مركزين على النساء اللاتي هن في العشرينيات من أعمارهن: ماذا يردن؟ وما هي أهدافهن؟ وإلى من يلجأن طلباً للإرشاد والتوجيه؟ فأطلقنا دراسة عالمية من أجل فهم أفضل للتحديات والتوقعات والأهداف والتجارب التي تواجه نساء جيل الألفية حول العالم. وثمة سببان قويان لدراسة نساء جيل الألفية: 1- الشابات هن زعيمات المستقبل؛ وجيل الألفية كبير كبر جيل baby boomers (جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة من أواخر الأربعينيات إلى بداية الستينيات)؛ وإضافة إلى ذلك، فإن نساء الجيل الحالي لديهن فرص أكثر من أي مجموعة نساء في التاريخ. 2 - إن الجزء الأكبر من الاهتمام الذي توليه وسائل الإعلام لهذا الجيل أبرز حتى الآن الأشياء السلبية فقط؛ إذ كثيراً ما يصوَّر أبناء جيل الألفية (أولئك الذين ولدوا عام 1980 أو لاحقاً) على أنهم "جيل يحظى برعاية وعناية فائقة من قبل الوالدين" و"الجيل الضائع". ورغم أن بعض الدراسات أشارت إلى بعض السمات الإيجابية، فإن هذه الصفات كثيراً ما تغيب في النقاشات حول "النضج المؤجل" و"اللامبالاة". ولذلك، فقد سعينا في البحث الذي قمنا به للحصول على القصة الحقيقة من نساء جيل الألفية أنفسهن: من هن؟ وماذا يردن؟ ولهذا الغرض، استعملت دراستنا "مجموعات تركيز" عالمية، وقراءات أدبية، واستطلاع رأي شمل 1000 امرأة من جيل الألفية تتراوح أعمارهن ما بين 21 و29 عاماً من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والبرازيل وفرنسا. فوجدنا موضوعين رئيسيين يبدوان معارضين للبيئة السياسية الحالية، بيئة التعصب الحزبي والغضب؛ إذ وجدنا أن نساء الألفية يرغبن في الاستقلالية والتوجيه الذاتي فوق أي شيء آخر، وأنهن يبحثن عن عدد من المناظير لمساعدتهن على اتخاذ قرارات مهنية وشخصية. كما وجدنا أنهن قلقات بشأن الاقتصاد الحالي، ولكنه لا يعيقهن. وعندما تنظر إلى ما أبعد من الصور النمطية عن شابات جيل الألفية وتتأمل التوجهات والميولات العامة، مثلما فعلنا في دراستنا، فإنك ستشرع في رؤية صورة جيل يشمل النساء اللاتي هن مختلفات عن الأجيال السابقة من حيث الأولويات والأهداف. فشابات اليوم يعشن الحياة وفق شروطهن الخاصة، ويمكننا أن نتعلم الكثير من الكيفية التي يبحرن بها في عالم القرن الحادي والعشرين. فعلى سبيل المثال، وجد بحثنا أن 96 في المئة من نساء جيل الألفية على الصعيد العالمي يضعن الاستقلالية على رأس قائمة أولوياتهن باعتبارها أهم هدف في حياتهن، إذ تأتي قبل الزواج والأمومة وملكية منزل وأهداف وطموحات أخرى تقليدية أساسية لشعور المرء بالنجاح. كما عرَّفت 87 في المئة الذين شملهم الاستطلاع النجاح على أنه القدرة على "تحديد شكل مستقبلي". وبالتالي، فهذا جيل نساء يفهمن أنه لا يوجد مخطط حياة واحد يناسب الجميع. ولذلك، فإن كل واحدة ترسم لنفسها مسارها الخاص بها. هذا لا يعني أن نساء جيل الألفية لا يردن أطفالًا، أو أزواجاً، أو عقاراً، أو ثروة؛ بل ما يعنيه هو أنهم لم يعدن يشعرن بأنهن في حاجة لتحقيق هذه الإنجازات التقليدية بترتيب معين أو وفق إطار زمني معين. وبدلاً من "تحقيق كل شيء" (مثلما كانت تطمح إلى ذلك الأجيال السابقة من النساء)، فإن نساء جيل الألفية يردن أن يجربن كل شيء، واتخاذ القرارات الكبيرة التي تخص حياتهن تبعا لذلك. وإلى جانب هذه الفكرة المختلفة لما يفترض أن يكون مسار حياة، أخبرتنا نساء من جيل الألفية أنهن يبحث عن التوجيه والإرشاد على نحو مختلف مقارنة مع الأجيال السابقة. فعندما سألناهن إلى ما يلجأن طلباً للنصح والإرشاد، عرفنا أن شابات اليوم يقيمن عالياً "التبادل المجتمعي" بغض النظر عن السن أو التجربة المهنية؛ حيث اتفقت 94 في المئة من نساء جيل الألفية على أن أفضل المرشدين هم الأشخاص الذين يمكنك أن تسدي لهم النصح وتتلقى منهم النصح، بصرف النظر عن سنهم. وهو ما يمثل اختلافاً واضحاً مع نموذج "الكبير الحكيم الذي يرشد الصغير المحمي". ويمكن القول إن ذلك أصبح استراتيجية حكيمة في هذا العالم المعقد والمترابط والمعتمد على التكنولوجيا. وعليه، فما الذي تعنيه هذه الخلاصات بالنسبة لنساء جيل الألفية وبالنسبة لبقيتنا؟ وكيف ستؤثر الخيارات الشخصية للشابات على العالم الأكبر؟ إننا سنرى شابات طموحات ومحررات من القيود ينشئن مشاريعهن الاقتصادية والاجتماعية التي تحل بعضاً من أكثر مشاكل المجتمع إلحاحا. وسنرى ازدياد ثقة واستقلالية نساء جيل الألفية يقود إلى أصوات جديدة في ثقافتنا الخلاقة. كما سنرى مجتمعات برمتها تتغير وتتطور، في وقت باتت فيه نساء جيل الألفية تستعملن شبكاتهن الواسعة لاقتسام المعلومات والأفكار عبر الأجيال والمجموعات الإثنية وانتماءات أخرى. هل نساء جيل الألفية يتصفن بالكمال؟ بالطبع لا، لكن الأكيد أنهن مفعمات بقدر أكبر من الثقة والإمكانيات والفرص من أي جيل سابق من النساء؛ وكلها سمات تحتاجها أميركا وعالمنا اليوم. ليندزي بولاك - نيويورك كاتبة ومستشارة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"