هل تستطيع الولايات المتحدة الخروج من أزمتها في أفغانستان من دون تسوية قضية كشمير؟ لقد فشلت في إقناع باكستان بإعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية التي تقضي بنقل قواتها من الحدود الشرقية مع الهند إلى الحدود الغربية مع أفغانستان. ولو أنها نجحت في ذلك لأصبحت "طالبان" محصورة بين القوات الباكستانية والقوات الأميركية والأطلسية. وعندما مارست الإدارة الأميركية الضغط السياسي والاقتصادي على حكومة إسلام آباد، ردّت القوات العسكرية الباكستانية بضغط عسكري معاكس، الأمر الذي حمل الإدارة الأميركية على اتهام المخابرات العسكرية الباكستانية بالتواطؤ مع "طالبان". ومن حيث المبدأ، لا يستطيع الجيش الباكستاني أن يدير ظهره للهند طالما أن قضية كشمير من دون حل. فالهند تنشر في كشمير نصف مليون جندي. وهو أمر تنظر إليه باكستان على أنه تهديد مباشر لها. فكيف تتساهل مع هذا التهديد وتدير ظهرها للجبهة التي شهدت ثلاث حروب منذ عام 1947 لتفتح جبهة جديدة ضد عدو داخلي وبالتعاون مع قوات أجنبية غير محببة داخليّاً؟ استخدمت الولايات المتحدة سلاح الضغط بتجميد المساعدات الاقتصادية أحياناً حتى عندما كانت الفيضانات تجتاح معظم أرجاء باكستان، وبوقف صفقات التسلح أحياناً أخرى... وحتى التشهير بقدرة الدولة الباكستانية على ضبط السيطرة على سلاحها النووي. ولكن كل هذه الضغوط لم تثنِ الجيش الباكستاني عن موقفه الرافض للانسحاب من الجبهة مع الهند للتفرغ للجبهة مع أفغانستان. وقد لعبت ثلاثة عوامل إضافية في تثبيت هذا الموقف. العامل الأول هو اتساع نفوذ الهند في أفغانستان، حتى أنه يبدو أن هناك تحالفاً بينهما ترعاه الولايات المتحدة. وهو أمر يوحي لباكستان بأنها محاصرة من الشرق والغرب. والعامل الثاني هو التصعيد العسكري الهندي في كشمير في محاولة لقمع "انتفاضة الحجارة" التي انطلقت هناك وأدت خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر الماضي إلى مقتل 110 من أبناء كشمير المسلمين وإصابة 1500 منهم بجراح. كما أدت إلى اعتقال الآلاف الذين يتعرضون، حسب تقارير منظمة الصليب الأحمر الدولية، إلى سوء المعاملة. أما العامل الثالث ولعله الأهم، فهو خضوع الإدارة الأميركية للمطالب الهندية بربط التعاون الهندي- الأميركي (ضد الصين) بطي ملف قضية كشمير. وكان أوباما قد تعهد بالعمل على تحقيق تسوية سياسية لهذه القضية. كما تعهد بأن يكلف الرئيس الأسبق كلينتون ليكون ممثله الشخصي في إيجاد التسوية اللازمة. إلا أن الهند التي تعتبر كشمير جزءاً منها، وغير قابل لأي تسوية، رفضت مبدأ التدخل الأميركي السياسي، كما رفضت أن يكون كلينتون شخصيّاً مكلفاً بمهمة البحث عن التسوية. واستجابة للمصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة في جنوب آسيا، فقد آثر أوباما الاستجابة لطلبات الهند بطي ملف مساعي التسوية في كشمير، من دون أن يتوقف عن ممارسة المزيد من الضغط على باكستان لمشاركته في الحرب على أفغانستان. بل لعل الاستجابة للطلبات الهندية استوجبت المزيد من الضغوط على باكستان.. مما أدى إلى التدهور الخطير في علاقات التعاون العسكري بين الجيش الباكستاني والقيادة العسكرية الأميركية. وقد حاول المبعوث الرئاسي الأميركي الراحل ريتشارد هولبروك حتى يوم دخوله إلى المستشفى -حيث فارق الحياة- وضع حد لهذا التدهور دون جدوى. فقيادة القوات الباكستانية لا تستطيع أن تبرر من حيث المبدأ التخلي عن المسلمين الكشميريين، والتوجه لمقاتلة مسلمين في باكستان، أو على الحدود مع أفغانستان، يقاتلون قوات أجنبية أميركية وأطلسية! كما تخشى هذه القيادة أيضاً من أن يؤدي ذلك إلى فرط عقد الجيش ليصبح وبالاً على نفسه، وعلى باكستان، بل على المنطقة كلها. وتعيد هذه المخاوف إلى الأذهان ما حدث في العراق، عندما اتخذ الحاكم الأميركي الأول "بريمر" قراره الأسوأ بحل الجيش العراقي وتسريح قياداته.. مما أدى إلى تشكيل خلايا داخلية مسلحة ومدربة على القتال لا تزال آثارها متواصلة حتى اليوم! ومن أجل ذلك نصح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات المركزية الأميركية "بروس رايدل" الإدارة الأميركية بأن تسوية القضية الكشميرية تشكل المدخل الحقيقي للتسوية في أفغانستان. وفي الواقع فإن إدارة بوش حاولت ذلك عن طريق تشجيع نيودلهي وإسلام آباد على الحوار المباشر. وجرت في عامي 2006 و 2007 مباحثات مباشرة كادت تصل إلى تسوية لولا سقوط الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف في أغسطس 2008. ومع سقوطه توقفت المباحثات، وعادت العلاقات بين الهند وباكستان إلى التوتر من جديد.. من دون أن تجدد إدارة أوباما المبادرة الأميركية. وكان من ثمرات ذلك وقوع الحادث الإرهابي في مدينة مومباي في شهر نوفمبر من عام 2009 الذي استدرج الدولتين التوأم الهند وباكستان الى مشارف حرب جديدة. والآن تحاول الولايات المتحدة استدراج "طالبان" إلى التسوية في أفغانستان لتأمين انسحاب أميركي مشرّف خاصة بعد أن ضاقت دول حلف الأطلسي، ومنها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ذرعاً باستمرار الحرب وباستمرار الاستنزاف البشري الذي تعاني منه قواتها. وتخشى الولايات المتحدة من انسحاب تدريجي لقوات هذه الدول كما حدث في العراق، بحيث تتحمل وحدها عبء المسؤولية العسكرية التي لم تؤدِّ إلى أي نتيجة إيجابية حتى الآن. غير أن شروط "طالبان" بوجوب انسحاب جميع القوات الأجنبية مسبقاً قبل الدخول في المفاوضات، بدت للولايات المتحدة شروطاً تعجيزية. فواشنطن تخشى من عودة "طالبان" إلى السيطرة على أفغانستان، الأمر الذي يعني العودة إلى نقطة الصفر على رغم كل التضحيات البشرية والمادية التي قدمت حتى الآن. ومن هنا يبدو أن المخرج العملي للتورط الأميركي في أفغانستان هو المخرج الكشميري، إلا أن الهند تسد حتى الآن هذا المخرج. وتستعمل الهند ورقة الصراع الأميركي- الصيني المتصاعد وحاجة الولايات المتحدة إلى التحالف مع نيودلهي، لتثبيت سيطرتها على كشمير التي تحتل موقعاً جغرافيّاً استراتيجيّاً مهمّاً في المثلث الهندي- الصيني- الباكستاني. وتطمح الهند في الوقت ذاته إلى أن تصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي. صحيح أن واشنطن هي القوة الرافعة التي قد تمكن الهند من تبوؤ هذا الموقع الدولي المهم، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تستطيع الهند أن تحقق هذا الطموح الكبير وهي متهمة بانتهاك قرارات مجلس الأمن ذاته من القضية الكشميرية؟! إن المنطق السياسي يقول إن الحل في كشمير هو البوابة للتسوية السياسية بين الهند وباكستان، وللتسوية الأميركية في أفغانستان، ثم إنه البوابة الرئيسية لدخول الهند إلى العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي. ولكن للهند وجهة نظر أخرى ومعاكسة!