بعد التفجير المروع ضد كنيسة القديسين في الإسكندرية، يبدو واضحاً للكثيرين الآن أن أيدي "الموساد" ليست بعيدة عن محاولات العبث باستقرار المنطقة العربية وأمنها القومي، وأن مخطط بلقنة المنطقة، والذي تحدثت عنه العديد من الدراسات والأبحاث، أصبح أكثر وضوحاً الآن؛ سواء أكان ذلك في العراق أم في لبنان أم السودان أم في المغرب العربي. لم يكن "الموساد" بعيداً عن العديد من الاغتيالات والحوادث الطائفية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية والتي تكرر حدوثها في الدول العربية، ومنها مصر التي تمثل قلب العالم العربي وأحد مراكز ثقله السياسي والحضاري والبشري، ومن ذلك شبكات التجسس الإسرائيلية العديدة التي قُبض عليها خلال السنوات الماضية، وكانت آخرها تستهدف نظام الاتصالات المصري، هذا فضلاً عن استمرار التحريض الإسرائيلي لدول منابع النيل الإفريقية ضد مصر وأمنها المائي. ولعله من الواضح الآن أن إسرائيل التي تملك قوة نووية ضخمة و250 مصنعاً للسلاح، ليست معنية باحترام أي معاهدات أو اتفاقات أو مواثيق، بل لديها سياسة واضحة وثابتة منذ أن تكونت كقاعدة أمامية للغرب في المنطقة، وهي ابتلاع القدس وما تبقى من أرض فلسطين، حيث يمارس الاحتلال الصهيوني حالياً أكثر أساليب العنف وحشية ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الاستيطان الذي وصل مستويات غير مسبوقة، حيث يجري هذه الأيام بناء 32 ألف وحدة سكنية تتسع لـ170 ألف مهاجر يهودي جديد بتكلفة مالية تصل 4.5 مليار دولار. كما تتسارع أعمال تهويد القدس حيث رصدت مؤخراً 33 مليار دولار لتكريسها كعاصمة أبدية لإسرائيل ولإعادة بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى. ولتحقيق ذلك المشروع، رأت إسرائيل أن تشغل العالم العربي بإثارة الفتن الداخلية في دوله، تساعدها في ذلك قدرتها على التأثير في السياسة والقرار الأميركيين عبر النفوذ الواسع لدوائر اللوبي اليهودي في المواقع التشريعية والتنفيذية المهمة، لاسيما الكونجرس والخارجية والمالية والأمن القومي والبنتاجون ووسائل الإعلام... والتي تشكل في مجموعها قوة تستعين بها إسرائيل لتحقيق أهدافها تجاه العالم العربي والإسلامي. أما الوسيلة الثانية فهي استغلال موضوع الأقليات والتنوع الطائفي في الوطن العربي، حيث أعطت لنفسها حق التدخل في شؤون الأقليات التي تشكل جزءاً من نسيج المجتمعات العربية والإسلامية. ووفقاً لصحيفة "دافار" الإسرائيلية (14 أبريل 1981) فإن إسرائيل ترى من واجبها الدفاع عن أية أقلية إثنية أو دينية في المنطقة العربية، وأنها بذلك تنفذ نصيحة بن غوريون الذي دعا لاستغلال ورقة الأقليات وإثارتها في الدول العربية، وكذلك رابين الذي اعترف صراحة بأن إسرائيل قدمت مساعدات مالية وتسليحية وتدريبية لدعم تمرد بعض الأقليات وانفصالها عن بلدها الأم. ومؤخراً تباهى "عاموس بالدين"، مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية، بالإنجازات التي حققتها هذه السياسة عندما قال إن "الموساد" نجح في زرع الفتنة بين شمال السودان وجنوبه ومهد للانفصال. ولعله سيأتي من قادة "الموساد" ذات يوم من يعترف بأنه حاول زرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر لتحقيق أهدافه. ومعلوم أن إسرائيل تجند الكثير من العملاء والخبراء ومراكز البحوث لدراسة أوضاع الأقليات في الوطن العربي، لإثارتها ولإيجاد مبررات للتدخل الأجنبي في شؤون الدول العربية ودفع بعض طوائفها للتمرد والمطالبة بالانفصال وإقامة كيانات خاصة، والهدف النهائي هو تفتيت الوطن العربي.