في يناير 2010، أعربت وزيرة الخارجية الأميركية، عن تأييد بلادها لمبدأ الاستخدام الحر لشبكة الإنترنت في الخارج، بما في ذلك تطوير أدوات مصممة لإعادة الدخول لشبكة الإنترنت في البلدان التي تحظر استخدامها. وهذه المقاربة "الأدواتية" الفعالة لحرية الإنترنت، تركز في المقام الأول على منع الدول المختلفة من استخدام الرقابة على مواقع الإنترنت، مثل جوجل ويوتيوب، أو حتى نيويورك تايمز. فهي مقاربة تركز -جزئياً فقط- على الخطاب العام من قبل المواطنين وتركز أقل تركيز ممكن على الاستخدامات الخاصة أو الاجتماعية لوسائط الإعلام الرقمية. والمقاربة الأدواتية جذابة سياسياً، وتتميز بطابعها العملي، بيد أنها تكاد تكون خاطئة، لأنها تُعلي من قيمة الوصول للمعلومات، وخصوصاً تلك الصادرة عن الغرب، بينما تقلل من قيمة الأدوات المستخدمة في التنسيق المحلي. وهناك طريقة قد تبدو أكثر نفعاً يمكن استخدامها للتفكير حول الوسائط الإعلامية الاجتماعية، ألا وهي النظر إلى تلك الوسائط على أنها أدوات ذات تأثير طويل الأمد في تعزيز المجتمع المدني، والمجال العام على حد سواء. فعلى النقيض من الرؤية الأدواتية لحرية الإنترنت، يمكن أن يطلق على هذه الرؤية اسم الرؤية "البيئية". وفقاً لها فإن التغيرات الإيجابية في حياة دولة من الدول تأتي بعد -وليس قبل- تطوير مجال عمومي قوي. ليس المقصود بهذا القول إن الحركات الشعبية لن تتمكن من استخدام هذه الأدوات بنجاح، لتليين مواقف حكوماتها، بل المقصود هو أن محاولة الولايات المتحدة توجيه أو تسريع ذلك الاستخدام سوف تعود -على الأرجح- بالضرر أكثر مما تعود بالنفع. فالمجال العمومي النشط يخلق وعياً مشتركاً بين المواطنين. وهذا الوعي المشترك، يخلق بدوره ما يمكن تسميته "المأزق الإيجابي" الناتج عن قيام وسائط الإعلام الجديدة بزيادة قدرة الجمهور على الوصول إلى منابر الخطابة وساحات التجمع. ومع انتشار هذا النوع من وسائط الإعلام، نتيجة لوجود الناسخات ومحركات البحث المتطورة، فإن الدول المعتادة على احتكار الخطاب العام، تجد نفسها مطالبة بالخضوع للمساءلة في حالة أي اختلاف بين رؤيتها للأحداث ورؤية الجمهور العام. وفي مثل هذه الحالة تقوم الدولة بفرض الرقابة على المنتقدين، أو تقوم بالدعاية لنفسها، إذا ما احتاجت لذلك. بيد أن أي تصرف من ذينك التصرفين، سوف يكون مقابل ثمن أكثر فداحة بكثير من تلك الحالة التي لا يكون فيها منتقدون للحكومة، ولا تكون هناك بالتالي حاجة لدى الحكومة للرد عليهم أو إخراس أصواتهم. وبشكل عام، يمكن القول إن هناك حجتين ضد الفكرة القائلة بأن مأزق النهج المحافظ، الذي يزداد شدة وتفاقماً بفعل وسائط الإعلام الاجتماعية، سوف يحدث فارقاً أو اختلافاً في سياسات الأمم المختلفة. الحجة الأولى هي أن الأدوات نفسها غير فعالة، عند استخدامها لمراكمة الرموز الصغيرة للدعم السياسي المقدمة من قبل أفراد غير ملتزمين بشيء. ويطلق على مثل هؤلاء الأفراد في أدبيات العصر الإلكتروني أتباع نهج الـSlcktivism أي النهج المعبر عن هؤلاء الذين ينخرطون في بعض الأنشطة بشكل سطحي ويقومون بدعم بعض القضايا على المواقع الإلكترونية دون أي جهد، أو دونما حاجة للتبرع بالمال أوتضييع الوقت. أما الحجة الثانية فهي أن تلك الوسائط تلحق بعملية التحول الديمقراطي من الأضرار بقدر ما تحقق لها من منافع، لأن الأنظمة القمعية تصبح أفضل حالاً بكثير عندما تقوم باستخدام تلك الوسائط لقمع الخلاف والشقاق. ونقد مدرسة الانخراط السطحي المجاني في القضايا صحيح، لكنه غير ذي أهمية مركزية بالنسبة لقوة وسائط الإعلام. وحقيقة أن اللاعبين غير الملتزمين، أو الملتزمين في أضيق الحدود الممكنة، غير قادرين على شق طريقهم -عن طريق الكبس على الأزرار- إلى عالم أفضل، لا يعني بأي حال من الأحوال أن اللاعبين الملتزمين لا يمكنهم استخدام وسائط الإعلام الاجتماعية على نحو فعال. وهنا مثلاً يستحيل الحديث عن الطريقة التي تمت بها إطاحة الحكومة المولدوفية، العام الماضي، دون استخدام كلمة "فيسبوك". إن الاستخدام القمعي لوسائط الإعلام الاجتماعية أمر أكثر جدية وخطورة، لأن الدول السلطوية تتحسن عند قيامها برصد مثل هذه الوسائل والتحكم فيها. علماً بأن هذه التصرفات عادة ما تكون لها أكلاف كبيرة. فحتى الدول التي قد تروم إغلاق شبكات اتصالاتها لحرمان مواطنيها من القدرة على التواصل أثناء فترات الاحتجاج، كما حدث في تايلاند خلال أحداث الاحتقان السياسي. هذا مع العلم بأن هذه المقاربة قد تعرض للخطر حيوات المواطنين غير المسيسين أو غير المنخرطين في نشاط سياسي من أي نوع. وهكذا يمكن القول إن القيمة الطويلة الأمد للاتصالات المدمقرطة يمكن أن تترجم إلى فهم مفاده أن الحكومات تجد نفسها مجبرة على أن تكون أكثر إيجابية وتفاعلاً مع مواطنيها، كما حدث عند انتشار المطبعة على سبيل المثال لا الحصر. بيد أن الحصول على تلك القيمة الطويلة الأمد، يتطلب قبل كل شيء تحديد أهداف من نفس النوعية، أي طويلة الأمد أيضاً. ومع أن وزارة العدل الأميركية تتابع المسألة القانونية المتعلقة بما إذا كان موقع ويكيليكس الذي نشر البرقيات المصنفة سرية للبعثات الدبلوماسية الأميركية في مختلف دول العالم، يتمتع بأنواع الحماية المنصوص عليها في التعديل الأول للدستور أم لا، فإن اللغط المثار حول ويكيليكس قبل توجيه الاتهام لصاحبه أسانج، هدد في مرحلة ما، ولا يزال يهدد في الحقيقة، بتحويل مسألة دعمنا لحرية الإنترنت إلى مهزلة. إن حكومة الولايات المتحدة يجب أن تبذل قصارى جهدها من أجل العمل على توفير الشروط اللازمة للاستخدام الحر للإنترنت باعتباره وسيلة لخلق ولتكريس المجال العمومي، ليس في الولايات المتحدة فحسب وإنما في كل مكان من العالم أيضاً. ويجب على واشنطن وهي تشرع في ذلك أن تفهم جيداً أن التقدم في هذا المجال سوف يكون بطيئاً، وأنها لن تتمكن من الاستفادة من المنافع الطويلة الأمد لتلك الأدوات، إلا عبر التحول من المقاربة الأدواتية إلى المقاربة البيئية المتعلقة بتأثير وسائط الإعلام الاجتماعية على المجال العمومي، حتى لو كان ذلك يعني، ضمن ما يعني، القبول بحقيقة أن هذه الأدوات ليست ملائمة لتعزيز الأهداف الرسمية قصيرة الأجل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كلاي شيركي أستاذ الميديا الجديدة بجامعة نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"