وعود السلام تتبخر... وأميركا تخسر في الشرق الأوسط الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وحصاد سياسات أميركا الشرق أوسطية، ومنطق الانسحاب البريطاني من أفغانستان،... قضايا نقف عندها ضمن لمحة أسبوعية سريعة على الصحافة البريطانية. وعود السلام نشرت صحيفة "الجارديان" في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي مقالاً تحليلياً للكاتب سايمون تسدال، قال فيه إن وعود سلام الشرق الأوسط للعام الماضي قد بدأت تتبخر من الذاكرة الآن، بينما لاح شبح الحرب والعنف مجدداً خلال العام الحالي. ومضى الكاتب في السياق نفسه إلى القول إن انهيار جهود الرئيس أوباما المتعلقة بإجراء محادثات مباشرة بين طرفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قد أدى إلى خلق فجوة خطيرة، بدأ دعاة العنف والتطرف في كلا الجانبين الاستعداد لملئها. غير أن هناك حلاً آخر، من شأنه حقن الدماء، وتوفير سلام عادل لكلا الطرفين، ويرجح له أن يحظى بتأييد الأغلبية الإسرائيلية والفلسطينية، بينما يتوقع له أن يمهد الطريق نحو تسوية إسرائيلية-عربية شاملة. ويتلخص هذا الحل في الإعلان الفوري عن قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، تعترف بها الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة. فهذه هي اللحظة المناسبة لتحقيق هذا الحل. ذلك أن الوضع الحالي لا يبشر بأي حل آخر يقوم على فكرة التفاوض المباشر بين الجانبين. فقد تأذى الرئيس الفلسطيني محمود عباس كثيراً من تعويله على طريق المفاوضات، الذي ثبت فشلها عملياً الآن، بينما اتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعيداً في الانحياز إلى جانب التيار الأكثر يمينية وتشدداً في إسرائيل، بسبب رفضه للحلول الوسطية التي أعربت عنها سياسات أوباما إزاء النزاع. وعلى رغم إصرار وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على أن جهود بلادها لم تستنفد بعد، وأنه لا يزال ممكناً التوصل إلى تسوية سلمية دبلوماسية بين الطرفين، غير أن الوقت قد حان للاعتراف بفشل هذه الجهود التي ظلت تبذلها واشنطن عبر عدة عقود مضت. والأكثر واقعية اليوم هو الاعتراف بأنه حان دور الفلسطينيين لصنع الحقائق على الأرض. ذلك أن حقائق الأرض التي جسدتها سياسات إسرائيل لم تسفر إلا عن صعوبة، بل استحالة في جعل طريق التسوية السلمية التفاوضية للنزاع أمراً ممكناً. أميركا والشرق الأوسط وفقاً لما جاء في إحدى مقالات الرأي المنشورة في العدد الأخير من مجلة "ذي إيكونومست" فإن الشرق الأوسط يحوز على نصيب هائل من احتياطات العالم من الطاقة، وفي الوقت ذاته تدور فيه النزاعات الأكثر إثارة لقلق العالم. ولهذين السببين معاً، ليس ثمة غرابة في أن تبدي واشنطن إزاءه كل هذا الاهتمام الطويل الممتد عبر العقود. ومنذ هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، وما سبقه ولحقه من تنام ملحوظ لدور الجماعات الإسلامية المتطرفة، تحول اهتمام أميركا بهذه البقعة من العالم إلى حالة أقرب إلى الهوس. لكن وعلى رغم ذلك، يبدو أن كل هذا الاهتمام قد باء بالفشل التام. فقد تراجع الدور الأميركي في جميع أنحاء العالم بلا استثناء، جراء تأثيرات الأزمة المالية العالمية، في مقابل صعود قوى دولية جديدة منافسة لها في النفوذ الإقليمي والدولي. وحتى حرب الخليج الأولى التي أرغمت قوات صدام حسين على الخروج من الكويت، كانت أميركا صاحبة نفوذ لا ينازع في المنطقة. وبذلك تمكنت من عقد محادثات مدريد بشأن سلام الشرق الأوسط في عام 1991. غير أن ذلك النفوذ بدأ بالتراجع بعد عشر سنوات فحسب من ذلك العام. وعلى رغم تعهد الرؤساء الأميركيين المتعاقبين بإيجاد تسوية سلمية تفاوضية للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، ظل هذا الحل بعيد المنال، على رغم اتفاق الرأي العالمي عليه. ومما زاد الأمر تعقيداً وصعوبة، الغزو الأميركي لأفغانستان في عام 2001 ثم العراق في صيف عام 2003. فبعد سنوات طويلة لهاتين الحربين، لم تحقق خلالهما واشنطن ما وعدت به المنطقة من سلام واستقرار وتحول ديمقراطي. بل طالت خزانة واشنطن العامة وجنودها خسائر فادحة في كلا الحربين، إضافة إلى ما ألحقته كلاهما من دمار هائل للبنيات التحتية، وخسائر بشرية هائلة في أوساط المدنيين. وفيما يتعلق بمصير الغزو الأميركي للعراق، فإن الفائز الأول بهذا الغزو هو طهران، عدو أميركا اللدود والأول في المنطقة. وفي جبهة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، هاهي إسرائيل -الحليف الرئيسي لواشنطن في المنطقة- وقد أعلنت تمردها على مطالبة إدارة أوباما لها بوقف أنشطتها الاستيطانية، باعتبار أن ذلك يمثل شرطاً لازماً ولا بد منه لتحقيق أي تقدم مرجو في عملية السلام والتفاوض مع الفلسطينيين. يذكر أن إسرائيل، تلقت ما يزيد على 27 مليار دولار خلال العقد الماضي، في شكل مساعدات عسكرية من واشنطن. وهذه خسارة مالية سياسية أخرى لواشنطن. وللمفارقة فإن الوقود الأكثر فعالية في استقطاب المزيد من مواطني الدول العربية والعالم الإسلامي لصفوف جماعات العنف والتطرف، هو استمرار التأييد الأميركي غير المحدود لإسرائيل وسياساتها! وهذا ما قد يدفع أغلبية كبيرة من المواطنين الأميركيين قريباً إلى التساؤل عن جدوى استثمار بلادهم الخاسر في المنطقة. عشر سنوات على الحرب "انتهاء التفويض البريطاني في أفغانستان"، هذا ما تناولته "ذي أوبزرفور" في عددها يوم الأحد الماضي، قائلة إن العام الحالي سيشهد مرور الذكرى العاشرة للحرب الأفغانية، كما سيشهد بدء انسحاب القوات البريطانية حسب الخطط العسكرية الحالية. غير أن مجرد الحديث عن إحراز نصر هناك لم يعد وارداً. صحيح أن القوات الدولية نجحت في طرد حركة "طالبان" من سدة الحكم، فضلاً عن نجاحها في حرمان "القاعدة" من الملاذات الآمنة التي توفرت له أيام حكم طالبان، غير أنه ليس في وسع أحد من القادة السياسيين والعسكريين في أي من عواصم التحالف الدولي -بما فيها واشنطن- يستطيع الحديث عن تصور ممكن للنصر الذي يمكن تحقيقه في أفغانستان. وعلى الصعيد الآخر يصعب تحديد ما يمكن وصفه بالهزيمة. لكن وفيما لو أسفر انسحاب قوات "الناتو" عن انهيار حكومة كرزاي وعودة "طالبان" مجدداً إلى سدة الحكم، فإن ذلك ما يعد إهانة لقوات التحالف الدولي. وإذا كان الهدف الأمني، المتمثل في منع "القاعدة" من استخدام الأراضي الأفغانية مجدداً لشن المزيد من هجماته الإرهابية على البلدان الغربية، هو المبرر لاستمرار الحرب ولوجود القوات الأجنبية هناك، فإن هذه حجة مردودة بسبب فشل جميع التدخلات الأجنبية السابقة في تحقيق أي قدر من الاستقرار الأمني السياسي، أو إحداث أي تحول ديمقراطي هناك. وعلى رغم صحة القول بأن أفغانستان تمثل خطراً أمنياً على الغرب، ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً تهدف إلى كبح جماعات التطرف الإسلامي، فإنه لم يعد هناك ما يبرر استمرار بقاء قوات بريطانية في أفغانستان. فالحرب وصلت إلى نهاياتها على أية حال، بصرف النظر عن النتائج التي حققتها. كما أن انسحاب القوات البريطانية من أفغانستان سوف يبدأ خلال العام الحالي، ليس لأن هذه القوات حققت نصراً أو تكبدت هزيمة هناك، ولكنها سوف تنسحب لمجرد انتهاء صلاحية تفويضها الاستراتيجي. إعداد: عبدالجبار عبدالله