رغم وضوح البند الأول في دستور ولاية كاليفورنيا الذي ينص صراحة على حرمة الخصوصية الفردية للمواطن وقدسيتها باعتبارها أحد الحقوق الثابتة وغير القابلة للتصرف، فإن القوانين والتشريعات المنوط بها حماية هذا الحق وضمان احترامه باتت متقادمة ولا تواكب العصر الذي نعيشه، الأمر الذي من شأنه تقويض الضمانات الدستورية للمواطن الأميركي، فعلى سبيل المثال يقتضي القانون موافقة الطرفين قبل تسجيل المكالمات الهاتفية، كما يحد من التدخل الرسمي في شؤوننا الخاصة، لكن مع ذلك لا تكف الشركات الكبرى المستقرة في كاليفورنيا، مثل "جوجل" و"فيسبوك"، عن انتهاك خصوصيتنا يومياً من خلال تعقب المعلومات المتعلقة بالمشتركين فيها وجمع كميات كبيرة من المعلومات الخاصة دون الحصول على موافقة الطرف المعني، أو حتى إعلامه بأنها تقوم بجمع معلومات عنه. وفي هذا السياق كشفت اللجنة الفدرالية للتجارة في تقرير لها صدر مؤخراً الخيارات المحدودة المتوفرة لدى الأميركيين لتجنب اقتحام خصوصياتهم من قبل شركات الإنترنت واستغلالها لبيع هذه المعلومات المرتبطة بميول الشخص في التسوق وطباعه الاستهلاكية إلى شركات الإعلان التي بدورها تستهدف الأميركيين وتتعامل معهم كمستهلكين محتملين بصرف النظر عن الإزعاج الذي يسببه ذلك، أو انتهاك خصوصية الفرد التي يعاقب عليها القانون نظرياً، فكل ما يضعه الفرد على الإنترنت من معلومات خاصة به يتم تعقبها وغربلتها على نحو يتم بموجبه تصنيف الشخص حسب الدواء والأكل الذي سيحتاجه لتمطره شركات الإعلان لاحقاً بسيل من الرسائل المروجة لمنتوجات بعينها. لذا قامت اللجنة الفدرالية مؤخراً بإطلاق حملة أسمتها "لا لتعقب المعلومات الخاصة عبر الإنترنت"، لتوعية الناس أولاً وللضغط ثانياً على المشرعين للوقوف في وجه انتهاك خصوصية الأفراد. وبالطبع سارعت شركات "وادي السليكون" بإرسال جماعات الضغط إلى واشنطن لثني المشرعين في الكونجرس عن تبني قضية الدفاع عن الخصوصية الفردية للأميركيين، محذرين من أن إقرار أي تشريعات تحد من حرية استخدام المعلومات من شأنه "القضاء على الإنترنت"، وتضيف جماعات الضغط المدافعة عن الشركات قائلة إن أكثر من 200 مليون أميركي انضموا إلى حملة عدم الاتصال بالهاتف للترويج للبضائع، وأن حملة مشابهة تستهدف الإنترنت قد تقضي عليها وتنفر الناس من تصفحها. لكن هذه الحجج مردود عليها، فقد سبقتهم إليها شركات الهاتف التي كانت تزود المعلنين بأرقام عملائها إلى أن قامت حملة وضعت حداً لذلك، ولم نرَ أي تراجع في استخدام الهاتف الذي مازال مستمراً ولم يختفِ. ومع أن المعلنين يتوقون دائماً إلى معرفة الزبون المحتمل وجمع معلومات دقيقة عن ميولاته الاستهلاكية، وربما حتى مشاكله الصحية، فإن الأمر بالنسبة للحكومة ينطوي على إشكالية القيام بمهامها الأخلاقية في حماية المستهلك وعدم تعريض معلوماته الخاصة للاستغلال من قبل الشركات وأصحاب المصالح. وللتدليل على مدى اقتحام بعض الشركات للحياة الشخصية لمتصفح الإنترنت، يبرز مثال سيدة من ولاية إيلينوي شُخص لدى زوجها سرطان البروستاتا قائلة: "لقد وجهت رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى أصدقائي وأفراد العائلة أخبرهم بالأمر، وما هي إلا ساعات حتى بدأت أتلقى إعلانات من جوجل حول علاج البروستاتا والأدوية المتعلقة بذلك. وقد اعتقدت للوهلة الأولى أن بريدي الإلكتروني تعرض للقرصنة، لكنهم فقط سرقوا المعلومات واستغلوها للترويج لمنتجاتهم". ومن غير المتوقع أن يؤدي تمكين الأميركيين من التحكم في الإنترنت وما يصلهم من رسائل ترويجية عبرها إلى الإضرار بقطاع الإعلانات، بل فقط ستجبر المعلنين على احترام خصوصية المواطنين وعدم اجتياز الحدود المسطرة. وإذا كان ذلك سيعني تلقي إعلانات أقل عن "الفياجرا" مثلاً، أو الرهون العقارية التي ورطت الناس فليكن! ولا ننسى أن الحملة الجارية حالياً التي اختارت "لا لتعقب المعلومات الخاصة عبر الإنترنت" عنواناً لها ستدفع الحكومة لتنظيم التسيب الموجود في قطاع الإنترنت، لاسيما وأن استغلال المعلومات الخاصة قد تكون له نتائج وخيمة فيما يتعلق بالمراهقين الذين يتم أحياناً الإيقاع بهم من خلال معلومات خاصة، أو توظيف صور عائلية لمعرفة المزيد حولهم. وتأتي هذه الضغوط على المعلنين وشركات الإنترنت، مثل "جوجل" و"فيسبوك" وغيرهما، في إطار من التأييد الشعبي لحماية المعلومات الخاصة بالمواطن وضمان عدم استغلالها. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته إحدى منظمات حماية المستهلك أن 90 في المئة من الأميركيين يريدون تشريعاً لحماية الخصوصية على الإنترنت، وأن 80 في المئة يؤيدون آلية الحملة، كما عبر 86 في المئة من المستجوبين عن الحاجة إلى ابتكار طريقة تحجب هوية مستخدمي الإنترنت ما أن يلجوا العالم الافتراضي. ورغم الدعم الذي تحظى به حملة حماية الخصوصية من الحزبين معاً في الكونجرس، فإن أوباما الذي يعترف بالمساندة الكبيرة لشركات الإنترنت ودورها في تمويل حملته الانتخابية، لم يرمِ بثقله وراء سن تشريعات للحد من انتهاك خصوصية الأميركيين. لكن في حال ماطلت واشنطن ولم تتحرك لتشريع القوانين المطلوبة فإن كاليفورنيا ستتحرك منفردة من خلال مؤسساتها المحلية، أو باستفتاء الجمهور لتقنين عمل الإنترنت ومنع تطفل الشركات على المواطنين، فالولاية التي كانت رائدة في مجال التجارة الإلكترونية قادرة على أيضاً على الريادة لضمان احترام خصوصية الأميركيين. جايمي كورت رئيس إحدى منظمات الدفاع عن المستهلك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"