من حق كل العرب في هذه اللحظة من الزمن أن يصابوا بالقلق والفزع مما جرى للكنيسة القبطية بالإسكندرية مؤخراً؛ هناك حالة من العنف الطائفي بين مواطني العديد من الدول العربية. على هذا الأساس جاءت ردود الفعل السياسية العربية الرافضة -رسمياً وشعبياً- لما حدث. العملية التفجيرية تحمل كثيراً من الدلالات والرسائل لما يمكن أن يحدث لو نجحت فيما تحمله من مضامين. فكرة الحديث عن رفض التعايش العربي لا تعني تجاوز الحقيقة؛ لأنه أصبح اليوم واقعاً نراه شبه يومي في كل مكان. العملية مجزرة نفذها انتحاري أراد المساس بالتعايش الاجتماعي بين المسيحيين والمسلمين، العرب عامة وليس المصريون فقط. البعض يؤكد أن هناك أبعاداً سياسية للموضوع أكبر من الاختلاف الديني، خاصة وأن مسلسل القتل في العراق ولبنان أغلبه بين أبناء الدين الواحد. السياسة هي السبب فيما حصل للعراق ولبنان، إذ جعلت التعايش الاجتماعي بين أبناء الدولة الواحدة صعباً، وفي مصر أيضاً لا يمكن تبرئة السياسة. الكل مسؤول فيما يحدث تجاه رفض التعايش الاجتماعي، حكومات وأفراداً ووسائل إعلام. فالكل مشترك في إحداث احتقان اجتماعي حيث أصبح الكل ضد الكل. ولذا يخطئ من يعتقد أنه غير معني بهذا العنف؛ فهناك توسع في رفض المختلف. ويخطئ أيضاً من يعتقد أن من يعمل على زعزعة الاستقرار المجتمعي باسم الدين أو الطائفة لن يصل إليه. دائرة العنف تتسع عربياً، بينما يعمل الآخرون على تضييقها. ووصل الأمر إلى أن الاختلاف في الرأي أحياناً سبب في إقصاء الآخر. الأمر لا يحتاج إلى الاختلاف الديني أو المذهبي. الكثيرون يتفقون على أن علاج التناحر الاجتماعي يتعدى المسألة الأمنية ليشمل "حالة عامة" تبدأ من اللغة التسامحية بين أبناء الوطن الواحد، وتقبل الآخر المختلف معك. نحن أمام حرب من نوع آخر، لا علاقة للغرب بها، حرب داخلية صرنا بسببها نبحث عن لغة للحوار. لم نعد نتفاهم، فبدلاً من "حوار الحضارات" صرنا نبحث عن "الحوار الوطني" ونعقد ندوات بين أبناء الوطن الواحد ولا نتفاهم، وهذا هو المؤلم في الموضوع. صرنا أمام حرب من نوع جديد تحتاج إلى أدوات مواجهة جديدة أيضاً. المؤسف أن شبح رفض الآخر وعمليات العنف الطائفي اجتاحت كل الدول العربية تقريباً؛ فلبنان المثال الأقدم والأخطر لحالة التناحر السياسي والطائفي بين مواطني الدولة الواحدة. والعراق لم يعد يختلف كثيراً عنه. أما اليمن فقد شهد القتل القبلي والمناطقي إلى أن وصل إلى التناحر المذهبي، والصومال كذلك، وفي السودان هناك محاولات لأن يحصل الانفصال سلمياً. الوضع العربي الداخلي يسير من سيئ إلى أسوأ، وينتظر لحظة الانفجار، رغم أن التعايش كان موجوداً، والتسامح كان هو ما يميز التكوينات الاجتماعية كافة في زمن غير هذا الزمن الذي جاء بالانفتاح الإعلامي، والذي أدى دوره بطريقة معاكسة. كان الأمل أن تلعب الحرية والانفتاح دوراً في تعريف العرب بما يحصل في الجانب الآخر من العالم من تطورات علمية، لكنها لعبت دوراً في خلق احتقان داخلي ساعد على رفض الآخر، وهذا الآخر ابن الوطن الواحد. قد نكون في البداية، لكن يجدر بنا الانتباه لأهمية الاستقرار وأولويته؛ من أجل حماية المجتمع من تصفية المختلف، وغرس فكرة قبول الآخر.