عندما نسمع كلام من يتكلمون عن خلل التركيبة السكانية في دول الخليج العربية وخطرها نعتقد أن العمل سيجري على قدم وساق لحل هذه المشكلة وستُعقد معسكرات عمل ولن ترجع إلا بالحلول التي توقف تفاقم المشكلة مبدئياً... لكننا عندما نترقب الأفعال ونراقب الأعمال لا نجد شيئاً بل على العكس فإن المسؤولين يتعاملون مع هذه القضية كأي موضوع عادي! فأين الخلل في هذا؟ وخصوصاً إذا ما علمنا أن هناك أصوات على جميع المستويات تتكلم عن هذه القضية وتطالب بحلها ونسمع أيضاً عن تشكيل فرق عمل ولجان دائمة وغير دائمة ونسمع عن وضع خطط واستراتيجيات، ورغم كل ذلك ما تزال المشكلة محلك سر! في المملكة العربية السعودية حذر الأمير تركي الفيصل من "أن السياسات الحالية إذا ما استمرت فإن وجودنا في دولنا سيصبح عرضة للخطر". وفي البحرين قال وزير العمل البحريني السابق "إن المنطقة مقبلة على كارثة أخطر من القنبلة النووية، بل ومن أي هجوم إسرائيلي فنحن أمام تغيرات قد تبدل وجه المنطقة وتحولها إلى منطقة آسيوية في الغالب". وفي الإمارات لخص قائد عام شرطة دبي هذه المشكلة في عبارته الشهيرة: "نبني العمارات ونخسر الإمارات" وهو من الذين يعتقدون بأن هناك قوانين قد تأتي في المستقبل تفرض علينا تجنيس فئات من المقيمين. وهذا ما كان حذر منه وزير العمل السعودي الراحل غازي القصيبي عندما قال منذ سنوات "إن دول الخليج ومن ضمنها السعودية تخشى من صدور قرار دولي بتجنيس العامل الأجنبي الذي أمضى أكثر من خمس سنوات في البلاد، لذلك لابد لهذه الدول من إيجاد حل سريع لهذا المأزق". لا يبدو لي هذا الكلام صادراً عن أشخاص عاديين يعانون من "فويبا الأجنبي" و"هوس التركيبة السكانية" ولا أنه صادر عن رجال لا علم لهم بخبايا الأمور ولا أنهم أشخاص بعيدون عن متخذي القرار... لذا يبدو لي أن تخوف المتخوفين أمر مشروع وواقعي، وهدوء الصامتين والساكنين هو الغريب وغير الطبيعي، فالتعامل مع هذه المشكلة كان يفترض أن يأخذ أسلوباً أكثر جدية وحرصاً حتى لا تتفاقم المشكلة وتصل إلى ما هي عليه اليوم، ففي الإمارات أصبح عدد المواطنين لا يتجاوز 10 بالمئة وفي قطر 16 بالمئة وفي الكويت 27 بالمئة، وفي البحرين 50 بالمئة وفي السعودية نحو 65 بالمئة. ويصل مجموع نسبة الأجانب في دول الخليج إلى 37 بالمئة تقريباً. ومنذ سنوات حذر تقرير دولي صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا (الآسكوا) من استفحال ظاهرة العمالة الأجنبية في دولة الإمارات خاصة وفي دول مجلس التعاون الخليجي عامة بسبب المبالغة في الاعتماد على العمالة الأجنبية. المواطن الخليجي في هذه الدول لم يعد يشعر بالاطمئنان على مستقبله ومستقبل أبنائه، فالمعطيات التي على الأرض تقول بأن وطنه يضيق عليه، ابتداءً بعدم حصول الخريجين على الوظائف بسهولة مما يضطرهم للتكلم بلغة أجنبية، بالإضافة إلى مزاحمتهم في الحصول على العلاج والخدمات الصحية، فضلاً عن منافستهم في الحصول علي التعليم الجيد؛ كل ذلك يجعل المواطن يلتفت حوله متسائلاً: هل أنا أعيش في وطني أم أنني غريب؟ نسمع كثيراً أصوات بعض "القلقين" ومن يحب البعض أن يصفهم بـ"المتشائمين والسوداويين"، لأنهم يقولون بأن الخليجيين سيصبحون في يوم ما مثل الهنود الحمر وسيكونون "الخليجيين السمر"! سيختفون من بلدانهم وسينقرضون. قد تكون هذه الصورة قاتمة إذا ما نظرنا إليها بتجرد وموضوعية فلا مجال للمقارنة بين المعطيات هنا وما كان قبل 300 سنة تقريباً في أميركا الشمالية، لكن يبقى أن هذا الكلام يعبر عن شعور شريحة من المواطنين الخليجيين ويبقى أن هناك مخاوف حقيقية بسبب هذه المشكلة. من جانب آخر يجب أن نقر بان المواطن الخليجي يتحمل جزءاً من مسؤولية خلل التركيبة السكانية ويجب أن يدرك أنه بدل الاعتماد على خادمة ومربية وطباخة وغسالة وسائق ومزارع في بيته، عليه أن يعتمد أولاً على نفسه ومن ثم على خادمة وسائق على الأكثر.. وعليه أن يدرك أن اتجاره بالتأشيرات فعل يصطدم بحبه لبلده ويؤثر على مستقبل أبنائه. فالمسؤولية متبادلة ومتكاملة لكن المسؤولية الأولى تقع على الأجهزة المعنية التي يفترض أن تصدر القوانين والأنظمة ولوائح خاصة بالمخالفين وقبل كل ذلك أن تضمن المساواة بين الجميع في تطبيق القوانين. السؤال المهم هو ما الذي يجعل المواطن سلبياً ولا يبدي أية ردة فعل أو مساهمة إيجابية في حل هذه المشكلة وهو يسمع كلام المدير التنفيذي لمركز دبي للإحصاء عندما قال بأن نسبة المواطنين ستنخفض لتصبح 2 بالمئة في عام 2025 إذا ما ظل الوضع على ما هو عليه، ومنذ تصريحه قبل أربع سنوات تقريباً والوضع على ما هو عليه. والسؤال الآخر هو ما الذي يجعلنا نقبل انخفاض عدد المواطنين إلى هذه النسبة ويكون الإماراتي أقلية الأقليات في بلده؟ هذا سؤال جاد وحيوي... وإذا كنا بعد خمسة عشر عاماً سنكون 2 بالمئة، فكم سنكون بعد خمسة وعشرين عاماً؟ هل سنكون موجودين أصلاً بعد خمسين عاماً؟ سؤال يبدو سريالياً لكنه للأسف يفرض نفسه بقوة ويحتاج إلى الإجابة. بالنسبة للإمارات تبدو الأمور واضحة منذ الانتهاء من التعداد السكاني الأخير للدولة الذي شخّص المشكلة من جميع جوانبها ولم يبق إلا العمل والتنفيذ. فليكن عام 2011 بداية جديدة للعمل من أجل حل هذه القضية بعيداً عن الحسابات والمصالح الشخصية وردات الفعل الآنية.،. لنفعّل اللجان والاستراتيجيات ونبدأ بتنفيذ الخطط. فالوقت ليس في صالحنا، ولا مجال للوم بعضنا، فقد تكون بعض مفاتيح المشكلة ما تزال بأيدينا، ولا ننسى أن هناك عرباً ما يزالون بيننا.