دعونا نرحب بالجمهوريين الذين أصبحوا يسيطرون على مجلس النواب الأميركي مع بداية هذا الأسبوع. ونظراً لأننا في بداية العام؛ فلنكن متفائلين حول ما يمكن أن يعنيه هذا التطور لأمتنا الأميركية. غير أن هناك نصيحة جاهزة لـ"جون بوهنر" رئيس مجلس النواب الجديد ولزملائه، يرددها البعض هي: على الجمهوريين أن يكونوا حريصين على تجنب الخطأ الذي ارتكبه الديمقراطيون في الكونجرس السابق عندما حاولوا تحقيق أهداف تفوق طاقتهم بكثير، وتجاهلوا "الوسط" السياسي، وإذا ما فعل "الجمهوريون" ذلك فسيخاطرون بفقدان الأغلبية، هم أيضاً. وهذه النصيحة خاطئة في رأيي، لأن الفرضية التي بنيت عليها خاطئة أصلاً. فالديمقراطيون لم يحاولوا تحقيق أهداف تفوق طاقتهم بكثير، بل إنهم ساوموا حتى في الأهداف التي كان بمقدورهم تحقيقها. وهذه المساومة هي التي جعلت أيضاً مشروع قانون الرعاية الصحية أكثر تعقيداً مما كان يجب أن يكون عليه؛ وهي التي جعلت مشروع قانون حزمة التحفيز أصغر مما كان يجب أن يكون عليه. وكان بمقدور "الديمقراطيين" أن يكون أداؤهم أفضل كثيراً، لو أنهم اهتموا بعمل الأشياء على نحو أكثر سرعة، وأكثر دقة. ومن المعروف، في عالم السياسة، أن الأغلبيات يتم انتخابها عادة كي تحكم وفقاً لمعتقداتها. ومن هنا ينبغي أن نقر، شئنا أم أبينا، بأن الجمهوريين قد فازوا بأغلبية المقاعد في مجلس النواب في الانتخابات التي جرت العام الماضي، وبالتالي فإن علينا أن نتوقع أنهم سيحاولون عمل ما كانوا قد وعدوا بعمله. وهم يعرفون أنهم إذا ما تمكنوا من تمرير مواد ومشاريع قوانين غير مألوفة فإن مجلس الشيوخ، والرئيس أوباما سيعملان على عرقلتهم. وسيواجه زعماء مجلس النواب الجمهوريون الكثير من الرمزيات، ولا عجب في ذلك، لأن الرموز جزء لا يتجزأ من السياسة. وفي هذا السياق الرمزي علينا أن نتوقع أن الجمهوريين سيفتتحون الكونجرس القادم بقراءة كاملة للدستور، من أجل تأسيس قاعدة للممارسة مفادها أن أي مشروع قانون يجب أن يتضمن النص الدستوري الذي يشرعن، من حيـث المبدأ، المادة المطروحة للتصويت. ولاشك أن استجابتي الأولى عندما سمعت عن ذلك هي السخرية من تلك الترضية الواضحة لحركة "حفل الشاي" اليمينية. فالمرء يمكن أن يتخيل أن النتيجة العملية المتوقعة لهكذا اقتراح، هي خلق جهاز بيروقراطي صغير في مجلس النواب تكون مهمته ضخ مبررات دستورية جاهزة، لكل شيء يتم تقديمه للمجلس. ولكن عندما أمعنت التفكير في الأمر، أدركت أنه يجب عليّ أن أقدم للجمهوريين تحيتين على إخلاصهم لمثلهم المعلنة. فنحن في أشد الحاجة إلى مناقشة كاملة حول ماهية الدستور، وما يسمح به وما لا يسمح، وكيف ناقش الأميركيون تلك المسائل منذ قيام الجمهورية. وهذه المادة يجب أن تكون هي نقطة البدء لمناقشة يتعين علينا جميعاً الانضمام إليها. ومن هذا المنطلق تعاملت حركة "حفل الشاي" مع تلك الوثيقة المؤسِّسة ليس على أنها مجموعة من التوافقات السياسية الذكية، وإنما على أساس أنها بمثابة نص مقدس. ولكن، كما قال "جوردون وود" المؤرخ المثير للإعجاب في الحقبة الثورية: "بإمكاننا التعرف على الميثاق الاستثنائي للآباء المؤسسين، وأن نعرف في ذات الوقت أن هؤلاء القادة العظام الذين عاشوا في القرن الثامن عشر لم يكونوا يعيشون خارج التاريخ... وإنما كانوا منغمسين في ذلك التاريخ بنفس الطريقة التي نجد بها أنفسنا منغمسين اليوم في الحاضر، ولم تكن لديهم بصيرة سماوية خاصة في الأمور السياسية، كما أن تفكيرهم لم يكن يخلو من العاطفة، والجهل، بل وحتى الغباء أحياناً". ومن هنا يمكننا القول إن أي تعامل مع الدستور ينظر إلى ذلك الدستور على أنه شيء مختلف عن أسفار الكتب الدينية المقدسة مثل "سفر التكوين" أو "سفر اللاويين" سيكون شيئاً جيداً لأميركا بالتأكيد، بيد أنه يتعين علينا أيضاً القول إن مقاربة الجمهوريين قد تحقق نوعاً من الوضوح لمناقشاتنا المالية المتخبطة. فهي يمكن أن تجبر مجلس النواب على العمل من أجل إظهار الكيفية التي سيتمكن بها من كشف الحكومة وتعريتها ووصفها بكل نقيصة حتى يضغط عليها ويجبرها على تغطية نفقات هوس الجمهوريين المسيطرين عليه بالتخفيضات الضريبية. وهناك نقطة أخيرة، هي أن الديمقراطيين عندما كانوا يمتلكون الأغلبية في الكونجرس، كانوا يعتمدون في استمرار سيطرتهم على المناطق الانتخابية التي تتراوح ما بين المعتدلة -إلى الليبرالية. وكما قال "شين دو إبريل" في موقع "صندوق اقتراع هيلز" -بلوجز رقم 31" في تعليق له على نسبة توزيع أعضاء مجلس النواب المنتخبين حديثاً: "إن هؤلاء النواب يمثلون المناطق الانتخابية التي فاز بها أوباما في انتخابات عام 2008، وهو ما يرفع عدد النواب الذين ينحدرون من المناطق التابعة لأوباما إلى 62". من الممكن أعادة تغيير هذا التوزيع قليلًا، بيد أنه ليست هناك ضمانة مع ذلك أن أوباما سيفوز بنفس تلك المناطق في الانتخابات التي ستجرى عام 2012. فمن المؤكد أن عدداً كبيراً من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين، سيكونون مضطرين -على الأقل من آن لآخر- للنظر فوق كتفهم الأيسر. أما الكيفية التي ستتعامل بها قيادة مجلس النواب مع هذه الحقيقة السياسية القاسية، فستكون واحدة من أفضل القصص الصحفية خلال العامين القادمين. لذلك كله أقول: دعونا نحتفل. فذلك الاحتفال قد يكون أمراً جديّاً للمداولات الديمقراطية، خصوصاً إذا ما كانت السيطرة على أغلبية المقاعد تتطلب من "الجمهوريين" إظهار سياستهم، وكشف أوراقهم الفلسفية. فهم سيشرِّعون وأنت الذي ستقرر. إيه جيه. ديون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"