جاء استهداف كنيسة الأسكندرية بالعمل الإرهابي مع إطلالة العام الميلادي الجديد ليحمل دلالة واضحة على أن من ورائه يريد أن يبعث رسائل مضرجة بلون الدم للداخل والخارج. فرسائله للداخل دعوة سافرة وجلية لفتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس وتمزق المجتمع المصري من الداخل، وتقدم خدمة جلية لأعداء مصر. وأما رسائله للخارج، فهي استعداء للخارج المسيحي على مصر وأهلها من المسلمين خاصة، والمسلمين أينما كانوا عامة. وكل ذلك يعد خدمة جلية لأعداء الإسلام والحاقدين عليه. اختيار هذا التوقيت بالذات واستغلال مناسبة دينية يفترض أن تكون مناسبة للفرحة وتحويلها إلى حزن ودماء وأشلاء، لهو أمر يراد منه إحداث أكبر ضجة إعلامية، وإشعار العالم بأن الإرهاب حقد دفين على البشرية عامة وأن من يقف وراءه قوم لا دين يردعهم ولا إنسانية تحول بينهم وبين إجرامهم. إننا نواجه فئة أعماها الحقد عن رؤية النور، فأصبحت تعيش في الظلام وإنْ كانت الشمس ساطعة في كبد السماء، ولم تر للحياة لوناً إلا لون الدماء وليس لها أمل إلا في قتل الأبرياء. إننا بحاجة إلى حملة توعية شاملة تطال جميع فئات المجتمع العربي لتعرية هذه الفئة وحماية الأجيال الناشئة من لوثة عقولها وفساد فكرها. حملة لا بد أن تستهدف الأسر والمدارس والجامعات ومراكز التوجيه، وأن تقوم بها عقول نيرة مقنعة، قادرة على الوصول إلى قلوب وعقول الجماهير. إبراز مسؤولية أولياء الأمور في توعية أبنائهم من خطورة الإرهاب ومن يقف وراءه، يعد في غاية الأهمية، لما لهم من التصاق مباشر بأبنائهم وقدرة على تحسس أفكارهم واكتشاف الخلل فيها مبكراً، ومن ثم القدرة على معالجة ذلك الخلل في ظل الأسرة، ولذا نحن بحاجة إلى خلق ثقافة عامة تحمل في كينونتها مناعة ذاتية ضد الإرهاب وفكره. ولتحقيق ذلك، لا بد من تضافر جميع فئات المجتمع للعمل صفاً واحداً بلا كلل، وعدم ترك هذه المسؤولية على الدولة وحدها لأن الضرر من الفكر الإرهابي عام، فهو يدمر أحلام الأجيال الناشئة وتطلعاتهم، ويقضي على كل إنجاز تحقق، فلا تنمية من دون استقرار، ولا وظائف من دون تنمية... وهكذا يدخل المجتمع تحت مظلة الفقر والتخلف لأنه فقد الاستقرار والتنمية. وهنا تظهر خفافيش الظلام لتسرح وتمرح وتنشر شرها وتنفث سمومها لتدمر ما تبقى في المجتمع من حياة. الدعوة إلى حماية مسيحيي الشرق من ضرر الإرهاب لهي دعوة حق يراد بها باطل، لأن ضرر الإرهاب على المسلمين في العالم العربي أكبر من ضرره على غيرهم، وإنْ كان هذا لا يعفي الحكومات العربية من حماية الجميع مسيحيين وغير مسيحيين، ولذا ينبغي على تلك الحكومات المبادرة بفعالية لحمايتهم حتى لا تترك مبرراً لظهور مثل تلك الدعوات.