بعد خمسة وعشرين عاماً من مسيرة إعلامية حافلة، اختار "سيد الميكرفون" لاري كينج أن يترك برنامجه الحواري الشهير ليعيد حساباته ويجدد ذاته، ويبحث عن فكرة متصلة بهوسه بالإعلام. ومعروف عن "كينج" أنه صاحب الحوار الأنجح مع رؤساء الدول، لدرجة أنه حقق سبقاً صحفياً تكرر عشرات المرات في مقابلاته مع مسؤولين كبار عدة منهم القذافي وعرفات ورامسفيلد وغيرهم . وقد كان" كينج" أول من أسس الحوار الصحفي التلفزيوني ونجح فيه نجاحاً باهراً بفضل ثقافته وسعة اطلاعه. والسؤال هنا هو: كيف وصل "كينج" إلى هذه المكانة من التميز لدرجة أنه تحوَّل إلى نموذج يُستشهد به في الجامعات، خاصة ما يتعلق بفن الحوار الصحفي وما يجب أن يتحلى به المحاور. ولا يتوقف النموذج عند هذا الإعلامي الشهير أو غيره رغم أنه متهم بتحيزه لإسرائيل وعدم موضوعيته في القضايا العربية، ولكن هذا لا ينقص من سؤال مهم، كيف صار "كينج" بكل هذه الشهرة والنجاح؟ إنها قاعدة النجاح الأولى "الفرصة"... والتي يتبعها التمتع بالموهبة والعمل على شحذها وصقلها إلى أبعد حد. والحقيقة أننا لا نشكو من قلة المواهب بقدر ما نشكو شح الفرص وانكفاء أرباب العمل بعيداً عن محاولة استقطاب الموهوب واكتشافه. فلم يعد الإبداع مطلباً في التوظيف وإلا لما كانت هناك أرقام مخيفة من البطالة ومن الياقات البيضاء. فلكل إنسان طاقة كامنة تنتظر فقط من يفتش عنها ويصدقها ويطلقها. فلا زلنا لا نعرف كيف يكون الاستثمار الفعلي في الصغار حين لا تكتفي بمدرسة وشهادة نهاية العام، فلهذا الاستثمار إشاراته ومساراته الواضحة. فالاستثمار هنا يكمن أيضاً في دورنا كآباء في استنهاض همة الصغار للعلم والفكر والتساؤل المستمر. فيكفي أن نكون نحن من الذين لم يدرك أهلوهم كيف يصلون بهم إلى الوقوف عند بوابة الموهبة وألقها، لذلك كان من الأهمية بمكان أن نؤمن تمام الإيمان بموهبة حقيقية لدى الشباب والصغار على حد سواء، وأن نسعى لهم بفرصة المحاولة والاستمرار بإيمان مطلق بحقيقة كون الموهبة قادرة على إثبات ذاتها مهما كانت الصعوبات. ولا يكفي أن نصفق للموهوبين، بل لابد من رعايتهم والحرص على دعمهم بشكل متواتر، كي تتم تلبية احتياجاتهم الفعلية. ومن الضروري أيضاً إيجاد أرضية مهنية للمواهب عامة. ومن المؤسف أن يعزز الإعلام الغربي فكرة رعاية المواهب للمطربين فقط، وكأن الغناء هو العمل الذي ينقصنا وعلينا إتمامه بأي ثمن. نحن كأمة بحاجة إلى مفكرين وفلاسفة وشعراء وحرفيين يعرفون طريق النجاح لأنهم تدربوا على تحديد إشاراته، واتباع مساراته الواضحة. "كينج" وغيره من الناجحين ليسوا أبداً حالات استثنائية، ولكن هُيئت لهم ظروف جعلت منهم نجوماً متألقة في سماء التميز. علينا أولاً وقبل كل شيء، أن نعلم أنفسنا كيف نكون إيجابيين، ونزرع النجاح لدى الآخرين دون لغة محبطة للآمال أو محبطة للهمة. لكلٍ منا دوره المهم الذي لابد أن نحدده ونؤمن به لينعكس على الآخرين الذين سينجحون حتماً لأن غيرهم آمن بهم ومهد لهم سبيل الانطلاق بثقة واهتمام.