فيما يبدو انتقالاً من مرحلة الأزمة إلى ما بعدها، أعلنت جزر القمر اسم الرئيس الجديد الذي سيقودها نحو طور جديد تأمل أن يأتي بأفضل مما سبقه وأن يتحقق خلاله الاستقرار والوئام والازدهار، مما افتقدته طوال عمر استقلالها وفي ظل اتحادها الحالي. فقد أعلنت لجنة الانتخابات في موروني، الأربعاء الماضي، فوز المرشح إيكيليلو دوانين بالشوط الثاني من انتخابات الرئاسة، والذي جرى يوم الـ26 من ديسمبر المنصرم، لحصوله على 61 في المئة من أصوات الناخبين، بينما حصل منافسه الرئيسي محمد سعيد فضل على 33 في المئة، متقدماً على مرشح ثالث هو عبدو جابر الذي نال 6 في المئة. وكانت الجولة الأولى قد جرت في السابع من نوفمبر الماضي، ولم يستطع أي من المرشحين حسمها لصالحه، ودُعيَّ للمشاركة فيها 385 ألف ناخب مسجل. وبحسب اللجنة الوطنية للانتخابات، فقد بلغت نسبة المشاركة خلال الشوط الأول 46 في المئة، ثم ارتفعت في الشوط الثاني لتصل 53 في المئة. بيد أن تلك النتائج المعلنة رسمياً ووجهت بتشكيك من قبل مرشح المعارضة (فضل) الذي تحدث عن تزوير "كثيف وممنهج" لصالح مرشح السلطة، وهو دوانين المحسوب على الرئيس المنصرف أحمد عبدالله سامبي الذي لم يستطع الترشح مرة أخرى. فقد انتهت ولايته الرئاسية في مايو الماضي، فقام بتمديدها حتى نهاية 2011 عبر تعديل دستوري مثير للجدل قاطعته المعارضة، وتمخض عنه انتخاب برلمان جديد أقر ذلك التمديد، قبل أن يحكم المجلس الدستوري ببطلانه، لتتفاقم الأزمة السياسية ويستغرق الأمر شهوراً من جهود الوساطة الإفريقية كي يتوصل الفرقاء القُمريون إلى اتفاق يتضمن تحديد شهري نوفمبر وديسمبر 2010 كموعد للانتخابات. وها قد جاءت نتائج الانتخابات بدوانين كرئيس لجزر القمر، وهو من مواليد عام 1962، في "دجويزي" ، ثاني أكبر مدينة في جزيرة موهيل. وينتمي الرئيس القمري الجديد، صاحب الوجه الرصين والقوام الممتلئ، لعائلة متوسطة، وهو متزوج وأب لطفلين. أما عن مهنته، فهو صيدلاني التخصص، ويعتبر حديث عهد بالمجال السياسي، بل يرى خصومه أنه ذو تكوين سياسي "محدود جداً"، رغم فترة الأربع سنوات الأخيرة التي قضاها نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الصحية والمالية، أما قبل ذلك فلم يعرف عنه نشاط سياسي أو انتماء حزبي. وإذْ أصبح دوانين أول رئيس من جزيرة موهيلي يتولى قيادة اتحاد جزر القمر منذ استقلالها، فإن قادة المعارضة من أبناء الجزيرة يرون أنه ليس سوى أداة بيد سامبي للالتفاف على حقهم الدستوري في تولي الرئاسة. فبموجب نظام الرئاسة الدورية، كما ينص عليه دستور 2001، فإن كل جزيرة من الجزر الثلاث المكونة للأرخبيل الواقع في المحيط الهندي، وهي موهيلي والقمر الكبرى وأنجوان، تتولى الرئاسة دورياً من خلال انتخابات وطنية يتنافس فيها مرشحون من أبناء الجزيرة المعنية حصراً. وفي انتخابات الأسبوع الماضي كان المتنافسون الثلاثة على كرسي الرئاسة من جزيرة موهيلي فقط، وكانت انتخابات ذات طبيعة مركبة، إذ اختار خلالها ناخبو كل جزيرة حاكماً لها وثلاثة ممثلين عنها في البرلمان الفدرالي، إضافة إلى 24 نائباً يتم انتخابهم على المستوى الوطني لتصل عضوية البرلمان بذلك إلى 33 عضواً. وقد تم تبني هذا النظام السياسي والانتخابي المعقد في عام 2001، عقب عودة أنجوان التي سبق أن أعلنت انفصالها عن الاتحاد في عام 1997، ثم أُضيفت عليه تعديلات في عام 2005. لكن النظام الذي قُصد منه تقاسم الصلاحيات بين السلطة الفيدرالية وسلطة الجزر، ثبت عملياً أنه ليس عاصماً من تنازع السلطتين، فقد تمرد محمد بكار، حاكم أنجوان في عام 2007، قبل الإطاحة به في عملية عسكرية إفريقية مشتركة في مارس من العام التالي. ورغم إعادة تأسيس الاتحاد القمري في عام 2001، لازالت الشكوك تحيط بمستقبله، فتاريخه موسوم بالاضطراب إذ شهد منذ استقلاله عن فرنسا عام 1975 نحو عشرين انقلاباً عسكرياً ومحاولة انقلابية نجحت أربع منها في الأعوام 1975 و1978 و1989 و1999. وقد كثرت المؤسسات في هذا الأرخبيل البالغ عدد سكانه 630 ألف نسمة، والذي تملك كل جزيرة فيه رئاسة وبرلماناً. وتمثل الوحدة القمرية أهم تحد يواجه الرئيس دوانين، ففي ظل التنافر المهيمن على علاقات المحلي بالفيدرالي، ومشاعر الغبن لدى سكان الجزيرتين الصغريين (أنجوان وموهلي) إزاء جزيرة القمر الكبرى... يتعذر القيام بإصلاحات نوعية. وكان أهم رهانات للانتخابات الرئاسية الأخيرة استكمال عملية المصالحة الوطنية التي بدأت عام 2001، برعاية الاتحاد الإفريقي، إثر أزمة انفصال أنجوان عام 1997. وخلال حملته الانتخابية، وعد دوانين بتمتين الوحدة الوطنية، ومواصلة السير على نهج سلفه سامبي في تحقيق الانسجام والتعاون بين حكام الجزر والسلطة المركزية. أما التحدي الآخر فهو إعادة تأهيل الوضع الاقتصادي الذي تأثر كثيراً بالأزمة السياسية، حيث أحجم المانحون الأجانب عن تمويل البرامج والمشروعات، فيما لايزال اقتصاد البلاد معتمداً على القطاع الريفي. ورغم ما تتوفر عليه من أمكانات سياحية معتبرة، فقد ظلت من أفقر البلاد في العالم. وقد أرجع دوانين أسباب ذلك إلى استشراء الفساد، متعهداً بمكافحته دون هوادة. كما وعد الرئيس الجديد باستكمال خطوات سلفه في إعداد خطة وطنية للتعامل مع أموال مؤتمر الدوحة، البالغة 500 مليون دولار، والتي وُعدت جزر القمر بالحصول عليها خلال العام الجديد، فيما يعد أكبر تمويل تحصل عليه موروني. وأخيراً، سيتعين على دوانين أن يفند عملياً ما تقوله المعارضة من أنه مجرد ظل لمرشده سامبي. فعليه أن يثبت للجميع، خاصة أبناء جزيرته، أنه رئيس قوي وقادر على استخدام صلاحياته الدستورية. لكن دوانين قدّم نفسه خلال الحملة الانتخابية باعتباره استمراراً للرئيس سامبي. ورغم أن للرجلين شخصيتين مختلفتين إلى حد كبير، إذ يعتبر الرئيس المنتخب أكثر محافظة وأقل كاريزما وخطابة من الرئيس المنصرف، فإنهما معاً قادمان إلى الرئاسة من خارج المجال السياسي، فقد كان دوانين صيدلانياً، وكان سامبي تاجراً وناشطاً في المجال الدعوي. ورغم ذلك لا يتوقع للرئيس الجديد أن ينتهج سياسة مختلفة عما كان عليه سلفه، فكثير من التغيير قد لا تتحمله جزر القمر في ظل رئاستها الجديدة. محمد ولد المنى