ساركوزي يسحب البساط من تحت "مارين"... و"باغبو" يتحدى الإرادة الدولية! كلمة ساركوزي بمناسبة العام الجديد، وخطر نشوب حرب أهلية في ساحل العاج، وقراءة فرنسية لأسباب إدانة الملياردير الروسي خودوركوفسكي، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. كلمة العام الجديد صحيفة لوموند قرأت في كلمة ساركوزي الموجهة للفرنسيين بمناسبة العام الجديد 2011 مساعي لتطويق دعاية اليمين المتطرف ممثلاً في حزب "الجبهة الوطنية" وزعيمته الصاعدة مارين لوبن. فقد حرص سيد الأليزيه على تقديم نفسه في صورة "الحامي"، الساهر على تجنيب مواطنيه شرور التأثر بلوثة اليمين المتطرف وغوايته السياسية، مؤكداً في الوقت نفسه عزمه على مواصلة إصلاحاته وفي مقدمتها الاستمرار في جهود إصلاح نظام التقاعد. وفي مسعاه لإعادة مد الجسور مع جمهور ناخبيه التقليدي عمل ساركوزي على تفنيد كل ما ينتقد من سياساته وخاصة أهم القضايا التي تمتطي موجتها الآن مارين لوبن وهي: الحمائية، والعلمانية، والأمن. كما لم يغفل أيضاً تسفيه دعوة ابنة مؤسس "الجبهة الوطنية" إلى الانسحاب من العملة الأوروبية الموحدة، وهنا بالذات كانت عباراته صارمة وقاسية وبالغة الوضوح: "لا تصدقوا أبداً، يا مواطنيَّ الأعزاء، كلام أولئك الذين يقترحون أن ننسحب من اليورو. فانعزال فرنسا سيكون ضرباً من الجنون. ونهاية اليورو ستكون أيضاً نهاية لأوروبا كلها"، بل على العكس يرى ساركوزي أن المشروع الأوروبي الموحد يشكل، في الوقت نفسه، مظلة ورافعة لفرنسا. وبخصوص العلمانية أكد أن "القانون الخاص بمنع ارتداء البرقع في الفضاء العمومي سيطبق بروحه ومنطوقه" دون تردد، مشيراً في ذات الوقت إلى قضية الهجرة: "إن احترام فرنسا، من قبل أولئك الذين نستقبلهم، يبقى واجباً" في كل الأحوال. وأما هواجس الأمن، التي يدغدغ بها اليمين المتطرف عادة قطاعات عريضة من الجمهور الانتخابي اليميني في فرنسا، فقد فصل ساركوزي بشأن خياراته القضائية والعقابية والإصلاحية بشأنها، حتى لا يترك أي انطباع بالتساهل، في تضاعيف كلامه، يمكن أن تنفذ منه دعاية مارين لوبن وحزبها المتطرف. ابتزاز باغبو تحت هذا العنوان حذر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو من احتمال الانزلاق نحو أسوأ السيناريوهات في حالة انفجار معركة الإرادة والشرعية القائمة في ساحل العاج بين الرئيس المنتخب الحسن وترة وبين خصمه الرئيس السابق لوران باغبو الذي يرفض التنحي عن السلطة، على رغم مناشدات وضغوط كافة الأطراف الإقليمية والدولية. وما يزيد تعقيد الوضع أكثر أن الزعيم الخاسر لا يبدي القدر الكافي من الإحساس بخطر الموقف الناجم عن انقلابه على نتيجة الانتخابات الرئاسية. وبدلاً من ذلك بدأ يهدد بإطلاق شرارة حرب أهلية جديدة يريد استثمار هواجسها لابتزاز مجتمع دولي مجمع على وجوب تنيحه ونزوله عند إرادة الشعب العاجي التي عبر عنها بوضوح في صناديق الاقتراع. وقد مثلت مهمة ثلاثة رؤساء من مجموعة غرب إفريقيا (زعماء دول بنين، والرأس الأخضر، وسيراليون) في مسعاهم لإقناع باغبو بالذهاب، آخر فرصة لإقناعه بالجنوح إلى الشرعية. ولكن، يقول الكاتب، يغفل باغبو عن حقيقة أن للابتزاز بنشوب حرب أهلية حدوداً معروفة. وطبعاً لا قيمة لتلك الخطابة الفجة، الموجهة للاستهلاك الداخلي، بشأن وجود "مؤامرة دولية" تطبخها "الإمبريالية الفرنسية" ضده، لأن مثل هذه الدعاوى لا تحقق لهذا الشافيز الإفريقي، أي هدف. وينتهي روسلين إلى أن العقوبات الأوروبية، وقرارات تجفيف المنابع المادية من قبل المؤسسات المالية الدولية، لا تستهدف أبداً ساحل العاج كبلد، وإنما الهدف منها إيجاد ثغرات ثقة بين باغبو وبطانته اللصيقة. وهنالك أيضاً خيار تفعيل المتابعة أمام القضاء الدولي. وكل هذا من شأنه أن يثبط عزائم بعض الأطراف في الجيش والإدارة، في ساحل العاج، لكي يقرروا عدم الاستجابة لدعوات التحريض على العنف التي يطلقها باغبو وزوجته سيمون، اللذين يذكران بديكتاتور الفلبين السابق ماركوس وزوجته إيميلدا، وتخبطاتهما الأخيرة قبل أن يضطرا في النهاية للهرب إلى المنفى. وفي سياق متصل -في لوفيغارو أيضاً- كتب "إيف تريار" عموداً بعنوان "باغبو في مواجهة ذاته"، قال فيه إن أمام ساحل العاج اليوم خيارين لا ثالث لهما: إما أن تنزلق في أتون حرب أهلية، أو أن يتنحى الزعيم المهزوم باغبو. أما حالة الانسداد الحالية، فلا يمكن أن تستمر طويلاً. على أن مصير البلد يتوقف الآن على قرارات عدة لاعبين أساسيين. أولهم باغبو طبعاً، فبعد هزيمته الانتخابية، وعزلته الدولية، يجد نفسه الآن وحيداً ومطارداً. ولكن مشكلته تكمن في قلة حيلته في مواجهة تأثير زوجته الإنجيلية المتطرفة سيمون وكذلك قبيلته. وأخطر من هذا أن الزوجة تحديداً هي من لا يريد الآن ترك السلطة بأي ثمن، وهي فوق هذا من يصدر الأوامر إلى الوزراء والمليشيات. وحال نظام حكم الزوجين باغبو يذكر، يقول الكاتب، بحال نظام الزوجين شاوسيسكو في رومانيا. فهل تكون نهايتهما مأساوية ودموية مثل شبيهيهما الرومانيين؟ ومن المعلوم أن باغبو يستند في تهديده بالحرب الأهلية الى دعم الجيش، الذي يحرص على دفع مرتباته، ولكن إلى متى سيستمر هذا الدعم؟ فقوات الدرك الوطني العاجية قلبت له ظهر المجن سلفاً. وفي المجمل فإن مراهنته على خيار إشعال الحرب الأهلية، ليس أكثر من خيار انتحاري في النهاية. وهو يعرف هذا. ولكن بطانته لا تعرف ذلك، بكل أسف. أما صحيفة لوموند فقد نشرت أول من أمس مقال رأي دعت فيه المجتمع الدولي إلى الوفاء بالتزامته تجاه شعب ساحل العاج، وأولها توفير الحماية للمدنيين. ودعت الصحيفة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤوليتهما، بعد أن صد باغبو كافة الدعوات التي انهالت عليه من أركان العالم الأربعة، لأن العاجيين ينتظرون الآن بفارغ الصبر سماع كلام من المنظمة الدولية يطمئنهم على أمنهم وسلامتهم، وإن كان مجلس الأمن قد طمأنهم مبدئيّاً قبل أيام بتجديده مهمة قوات الأمم المتحدة في ساحل العاج، التي تعد 9 آلاف رجل. ولكن واجب المنظمة الدولية يفرض عليها الآن اتخاذ تدابير حازمة لضمان عدم انزلاق الوضع نحو الكارثة، ولذا فإن جميع أجراس الخطر من احتمال نشوب الحرب الأهلية، والإبادة الجماعية، تدق اليوم. وفي هذه اللحظة من الزمن تحديداً يفرض الواجب حماية ساحل العاج، دون تأخير. محاكمة خودوركوفسكي في افتتاحية في "سيد ويست" انتقد الكاتب "كريستوف لوسيه" قرار الإدانة الذي أصدرته محكمة روسية بحق الملياردير خودوركوفسكي، معتبراً أن للأمر علاقة بتصفية حسابات مع هذا الثري الذي يتهم بدعم بعض أحزاب المعارضة، والقرب من منظمات المجتمع المدني، زاعماً أن منشأ محنة خودوركوفسكي هو تحديه لإرادة بوتين، عندما كان هذا الأخير في منصب الرئاسة. ولذا فقد حجز بذلك سلفاً بطاقة ذهابه إلى معسكر اعتقال "تشيتا" الشهير، ذلك المعتقل الرهيب الذي دشنه الإمبراطور نيقولا الأول، قبل حوالي مائتي عام. ويذهب الكاتب إلى أن إدانة الملياردير خودوركوفسكي صاحب شركة "يوكوس" كانت بمثابة تحصيل حاصل، طالما أن القاضي يعرف سلفاً ما يريده بوتين: طريق مفتوحة دون عوائق إلى رئاسيات 2012. وفي مقابل هذه القراءة الناقدة لقرار الإدانة ذهب الكاتب "فينسان جيريه" في افتتاحية صحيفة ليبراسيون إلى أن خودوركوفسكي ظهر على المسرح أصلاً في فترة لبْرلة متوحشة، ليصبح بين عشية وضحاها مالك أكبر شركة نفط في روسيا ما بعد السوفييتية، حين كانت كل الضربات والممارسات مسموحة، مستغلاً عملية خصخصة منفلتة وغير محسوبة، وخارجة عن السيطرة، ولذا فإن قرار الإدانة يتأسس على معطيات ووقائع وليس مجرد مكيدة من بوتين، كما يحلو القول لبعض وسائل الإعلام الغربية. وفي هذه الظروف التي يعد فيها الرئيس ميدفيديف ببناء روسيا جديدة، أكثر انفتاحاً، وأكثر احتراماً لممارسات دولة القانون، وأمضى عزيمة في محاربة كافة أشكال الفساد أو إساءة استخدام السلطة، فإن ما أدت إليه مرافعات محكمة موسكو بحق خودوركوفسكي يقرع الأجراس، إيذاناً ببداية هذا المستقبل الليبرالي المأمول. إعداد: حسن ولد المختار