كنتُ أتمنى أن أخطو عتبة العام الجديد بروح متفائلة وبملامح فجر يحمل في طياته إنجازات مشرّفة على أرض بلادي. لكن للأسف خابت توقعاتي ودخلت إليه بقلب مهموم وتوجسات سوداويّة الطابع. فقد تعمّد العام المنصرم أن يُودّع جدة بأمطار قامت بغسل الذنوب حتّى يدخل الناس سنتهم الجديدة بقلوب نظيفة! ولكن هطول المطر الذي استمر على مدى يومين في فترات متقطعة، دفع الناس إلى البقاء في منازلهم خاصة بعد رسائل الدفاع المدني التي انهالت على جوالات أهالي جدة متضمنة تحذيرهم الخروج من منازلهم تحسباً من تبعات سقوط الأمطار! هل تصدقوا أن مدينتي غارقة في المياه الآسنة نتيجة سويعات قليلة انهمر خلالها المطر؟! نعم هي غارقة من رأسها حتّى أخمص قدميها. تصيح بأعلى صوتها فلا تسمع مجيبا لندائها كأن الجميع من حولها أصابه داء الصمم. أنا في حالة ذهول! مئات المقالات التي كُتبت منذ وقوع مأساة السيول الشهيرة نهاية العام الماضي والتي ذهب ضحيتها المئات، لم تُحرّك الضمائر الغافلة ولم تفلح في تغيير شيء من الواقع المخجل! بل بقي الحال على ما هو عليه عاماً كاملاً دون أن يحدث انقلاب جذري إيجابي في البنية التحتيّة لمدينة جدة! شاء سوء حظي أن أكون خارج البيت وقت سقوط المطر، وقد توقّفت سيارتي عن الدوران بعد أن تسرّبت المياه للماكينة نتيجة تجمّع المياه، وهو ما اضطرني إلى الوقوف ساعتين على الرصيف إلى أن وجدتُ تاكسي يُقلّني إلى البيت. عشتُ حالة من الهلع أن يُفاجئني السيل من حيث لا أدري، ويُكتب نعيي في زاوية صغيرة بإحدى الصحف لتكون خاتمتي على يد رذاذ من المطر لا يُغني ولا يُسمن من جوع عند أفقر دول العالم التي تتمتّع بشبكة واسعة لتصريف مياه الأمطار! كم تمنيتُ أن ندخل العام الجديد بذكرى طيبة يُخلّفها وراءه العام المنصرم، لكن يبدو أننا لسنا وحدنا من سيتذكّره بمرارة! لقد تخلل العام الذي ودّعنا للتو الكثير من الأحداث الجسام فكان عاماً قاسياً على أغلبية مجتمعات العالم حيثُ فقد مئات الأفراد وظائفهم بسبب الأزمة المالية الخانقة. لكن يظل المواطن العربي ذو الدخل المحدود الأكثر تضرراً! بدءا من أزمة الخبز في القاهرة ومرورا بأحداث الأربعاء الأسود الحزين الذي مرّت به مدينة جدة نهاية العام الماضي وانتهاء بالمظاهرات الشبابيّة التي عمّت بعض المناطق بتونس احتجاجاً على البطالة ورفع الدعم عن السلع الرئيسيّة. هل سيكون العام الجديد مختلفاً عن سابقيه، تستمع فيه الحكومات لأنّات شعوبها وتستجيب لمطالبها في توفير حياة كريمة لها؟! هل سيأتي العام الجديد محملاً بالخيرات لمجتمعاتنا العربية بعد سنوات عجاف طويلة من القهر والاستبداد وفقدان الأمن والحريات؟! هل سنعيش ربيعاً مزهراً تتفتّح فيه الأزهار وتخضّر الأوراق بتربتنا العربية؟! هل ستختفي الأنّات وتتلاشى الأوجاع المرسومة على وجوه الناس في الطرقات والميادين الرئيسيّة؟! هل سنتلفّت حولنا فنجد صفحة الوجوه مضيئة تُطلق ضحكات رنانة من أعماق قلوبها؟! هل نحن مقبلون على عام جديد يخضع فيه الجميع للمساءلة القانونية دون تمييز؟! لا أحد يعلو فوق سقف القدر مهما كانت ضخامة بنيته! والتاريخ مليء بالعبر والحكايات المؤثرة. وكم من جبابرة ظنّوا أنهم باقون لأبد الدهر، فداهمتهم الصواعق في عقر دارهم لترديهم قتلى وهم لاهون في غيّهم! الجوع كافر كما يقولون، والظلم مارد جبّار، وانتفاء مبادئ العدالة الاجتماعية، والاستهانة بآدمية الإنسان داخل وطنه، يورّث الضغائن، ويعزز الأحقاد، ويقلب الطاولة على الجميع دون استثناء!