احتلت أقوال الشاب المتهم بالتجسس لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، في تحقيقات نيابة أمن الدولة المصرية، صفحات معظم الصحف المصرية خلال الأسبوع الماضي. فلقد أدلى طارق عبدالرازق حسن بمعلومات حول تكليفات جهاز الموساد الإسرائيلي وهي معلومات كاشفة لدلالات مهمة يجب على المحللين العرب التوقف عندها وإبرازها وعدم الاكتفاء بإعادة نشر أقوال المتهم. أولى الدلالات، وأهمها أن نوايا العداء الإسرائيلي للعرب بعد أكثر من ثلاثين عاماً من توقيع معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، ما زالت قائمة وصلبة. بعبارة أخرى أن مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي الذي نشأ مع إسرائيل عام 1948 والذي يرى في الدول العربية جميعاً محيطاً يجب اختراقه بالتجسس وزرع الفتن وعمليات التخريب الاجتماعي والاقتصادي والمعنوي، ما زال هو المفهوم الحاكم للسلوك الإسرائيلي تجاهنا سواء مع من وقّع معاهدة سلام أم من لم يوقّع. الدلالة الثانية تشير إلى اتساع مسرح العمليات الاستخباراتية الذي يتحرك على رقعته "الموساد"، فلقد تم تكليف المتهم طارق بأن يكون عنصر مراسلة بين ضباط الموساد الذين كانوا يديرون حركته من الصين وتايلاند والهند وبين أحد عناصر الأمن السوري، وهو العميد صالح الناجم الضابط بالاستخبارات العسكرية السورية، والذي تم تجنيده للعمل لحساب "الموساد" عندما كان مريضاً ويعالج في إحدى مستشفيات باريس (حسبما جاء في أقوال طارق)، منذ خمسة عشر عاماً، كما كلف بمحاولة استدراج أحد رؤساء تحرير الصحف اللبنانية، وهو طارق أيوب إلى شرق آسيا، وكذلك كلف طارق باستدراج رجل أعمال فلسطيني يعيش في جنوب أفريقيا إلى شرق آسيا. أضف إلى كل هذا أن طارق قد كلفه ضباط الموساد بالإعلان عن وظائف بشبكة اتصالات وهمية لجذب المتقدمين من جميع الدول العربية خاصة مصر ولبنان. الدلالة هنا واضحة تومض بالنور الأحمر لجميع أجهزة الاستخبارات العربية بضرورة اليقظة، فليس هناك طرف عربي، أياً كان، غير مستهدف من الموساد. الدلالة الثالثة تؤكد أن أسطورة تفوق "الموساد" التي حطمها العرب بخطة الخداع الاستراتيجي التي طبقتها الاستخبارات المصرية والسورية عام 1973 قد أصبحت أسطورة هشة، ذلك أن قدرة الاستخبارات المصرية على رصد المتهم طارق في الصين، حيث بدأت قصة تجنيده ومتابعة اتصالاته بالموساد وسفرياته إلى سوريا ولبنان، تشير إلى الحنكة والصبر. فلقد كان يمكن القبض على المتهم فور تجنيده، غير أن مدّ الحبال له كان يستهدف هدفاً أهم وهو اكتشاف مسرح عمليات الموساد وأهدافه وشبكاته الأخرى، من خلال رصد اتصالات وتحركات المتهم منذ عام 2007 وحتى أغسطس 2010 عندما تم القبض عليه. الدلالة الرابعة والتي تستدعي مشاعر الفخر العربية، هي ذلك التنسيق الحميم القائم بين الاستخبارات المصرية والاستخبارات السورية، رغم ما يظهر على السطح من خلافات في وجهات النظر السياسية. فلقد بادر المصريون بإخطار أشقائهم السوريين بالمعلومات الخاصة بالعميل السوري وبالملفات التي سلمها للموساد بواسطة المتهم طارق، وبعضها متعلق بالمفاعل النووي السوري والعلاقات العسكرية السورية-الكورية الشمالية. ولقد علمت من مصادر قضائية مصرية أن الأشقاء السوريين طلبوا عدم الإعلان عن قضية طارق في مصر إلى أن تقوم الاستخبارات السورية بوضع يدها على العميل السوري ورصد شبكة علاقاته، وهو مطلب استجابت له مصر إلى أن تم القبض على العميل في سوريا. أعتقد أننا مطالبون بإبراز الدروس والدلالات لتحصين الأمن القومي لكل العرب.