سوف تبدأ الولايات المتحدة عام 2011 بالاستمرار في شن حرب مضت عليها 10 سنوات سلفاً، بينما تشير مؤشراتها إلى فشل ذريع. أما حربها الثانية الجارية في العراق، فتلك قد منيت سلفاً بالخسارة وفقاً للمعايير الموضوعية المتعلقة بمن يهيمن على العراق، وبمن يتوقع له أن يستمر مهيمناً عليها. فلن تكون هذه الهيمنة من نصيب واشنطن، بل هي قطعاً من نصيب إيران، العدو الرئيسي المشترك لكل من أميركا وإسرائيل في المنطقة. وفي الوقت نفسه، انخرطت واشنطن في حملات عسكرية أقل حجماً في عدة دول، لمواجهة أعداء مزعومين لها في كل من اليمن والقرن الأفريقي وشمال غربي أفريقيا. كما أن لأميركا أكبر قوة مسلحة على وجه الأرض، ما يعني مطالبتها بالمزيد من المعدات الحربية الحديثة وآلاف مؤلفة من الجنود الجدد الأعلى كفاءة. يلاحظ أن أميركا لا تزال تجند حتى الوقت الحالي، قدرات بشرية أقل كفاءة وتأهيلاً تعليمياً بين مواطنيها -وفق ما تشير إليه معايير الجيش التعليمية وقياسات مستوى ذكاء الجنود- وعليه فقد أصبح ضرورياً الآن أن تتجه القوات المسلحة إلى تجنيد أعداد أكبر من أوساط المهاجرين والأجانب المقيمين في أميركا. غير أن المفارقة التي قلما نوقشت أو تطرقت إليها وسائل الإعلام هي أن لأميركا من الموارد العسكرية ما يعادل الموارد العسكرية لبقية دول العالم مجتمعةً. ولكنها كثيراً ما تخوض حروباً خاسرة، تخلف وراءها أعداء أميركا في السلطة في نهاية الأمر. وبسبب كشفي عن هذا التناقض فإن هناك من يتهمني بعدم الوطنية، لكن هناك من لاحظ المفارقة نفسها في دول أخرى. فمنذ الحرب الكورية -التي انتهت بإقامة منطقة عازلة ووقف لإطلاق النيران، وترتيبات لحظ السلام بينهما لا تزال مهددة بخطر المواجهة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية في أي وقت- مروراً بحرب فيتنام -التي خرجت منها الولايات المتحدة تجرجر أذيال هزيمتها-، يمكن القول إن الحروب الوحيدة التي فازت بها أميركا هي تلك التي شنتها على نوريجا، رئيس بنما السابق، وأحد المتعاونين الرئيسيين مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية سابقاً، ثم فوزها بهجوم شنته على طاقم عامل على بناء مطار في كوبا، لتفوز بحربها على صدام في عام 2003، وهو فوز انتهى إلى تسليم السلطة العراقية لطهران. فلماذا هذه الخسائر العسكرية المتتالية لواشنطن يا ترى؟ السبب على الأرجح سياسي. فلطالما أرسلت القوات الأميركية إلى خارج الحدود لإنجاز مهام لا تستطيع القوات المسلحة إنجازها. ففي وسع هذه القوات هزيمة قوات نظامية مسلحة أخرى. وفي استطاعتها احتلال أراضي أمم وشعوب أخرى كذلك -لتتحول هذه القوات إلى مؤسسة وافدة فاسدة بحكم منطق الظلم المنظم والمقنن الذي يفرضه الاحتلال-. كما تستطيع هذه القوات الإطاحة بالأنظمة السياسية القائمة، وتحرير المسترقين، بقدر ما تستطيع النهب وإلحاق الدمار بالأمم والشعوب. ولكن ليس في وسع القوات المسلحة القيام بالمهمة التي تتوهمها واشنطن: تغيير الطريقة التي تفكر بها الأمم والمجتمعات الأخرى، أو تغيير ما تعتقد به تلك المجتمعات. وبهذه المناسبة يجب القول إن "الحرب على الإرهاب" قد بدأت باعتبارها ردة فعل غاضبة على أفراد أو مجموعات كثيراً ما اعتقدنا خطأً "أنهم يكرهوننا لحرياتنا وقيمنا الديمقراطية". ولكن كان قد تعين لجم جماح الغضب وترشيده، وبذلك تحولت حربا العراق وأفغانستان إلى عمليتين تهدفان إلى إنشاء النظم الديمقراطية في مجتمعي الدولتين. ولطالما رسخ في عقول أفضل الأميركيين في كثير من الأحيان، اعتقاد الرئيس الأسبق وودرو ويلسون بأن "أميركا قد كلفها الرب بمهمة إصلاح العالم"، وبإشعال الحروب بهدف الوقف النهائي للحرب عامةً. ولكن تظل الحقيقة أن الحروب التي تشنها أميركا لا تختلف في شيء عن بقية الحروب الأخرى، وأنه ليس لأي حرب من سلسلة الحروب الأميركية أدنى فرصة لتحقيق النجاح في وضع حد للحرب باعتبارها ظاهرة إنسانية. بل إن في كل حرب تشنها أميركا ما يفضح خطأ هذه الأيديولوجية التي سادت أميركا في القرنين العشرين والحادي العشرين حتى الآن! وعليه، فإن من واجب المرء أن يتساءل عن جدوى هذه القوات الأميركية الجرارة الضاربة، طالما أن الضرر البالغ الذي تلحقه بالمجتمعات التي تغزوها، لا يحدث أي تغيير في عقليات تلك المجتمعات أو معتقداتها؟ وما جدوى هذه القوة العسكرية الضاربة طالما أن التغيير الوحيد الذي تحدثه هو زيادة كراهية الشعوب التي تغزوها ليس"لحرياتنا وقيمنا الديمقراطية"كما نتوهم، وإنما لأميركا بحد ذاتها؟ ما يحدث الآن يتسبب بخلط أوراق نشر الديمقراطية والدعوة إلى قيمها وحرياتها، بالنهج التقليدي القديم المتمثل في شن الحروب بغية السيطرة على مزيد من أراضي الآخرين ومواردهم في حقيقة الأمر. وقد أثبتت التجارب العملية فشل كلا النهجين على أية حال. وفيما أعلم فليس لإدارة أوباما الحالية أية نوايا لإطالة فترة بقاء قواتنا في أفغانستان. وحتى إن وجدت مثل هذه النوايا، فإنها لن تثمر شيئاً يجدي. بل هي سوف تساعد في تمديد فترة حرب تدفعها روح المقاومة الوطنية الشرسة لأي نظام سياسي موال لأميركا في كابول. ولن تقف إطالة بقاء قواتنا في أفغانستان عند ذلك الحد وحده، إنما تورط كذلك أميركا عميقاً في مأزق النزاع الديني السياسي بين الهند وباكستان بشأن إقليم كشمير، وفي الجهود المستمرة التي تبذلها دول آسيا الوسطى المجاورة لأفغانستان -بما فيها إيران- إضافة إلى تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان، وصولاً إلى الصين، مع العلم أنها جهود تهدف إلى تعزيز النفوذ الوطني في المنطقة، وليس في أي منها ما يمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي. وبسبب هذه البداية المعوجة القائمة على ذات النهج القديم الهادف إلى مكافحة الإرهاب ونشر القيم الديمقراطية في بقية أنحاء العالم، وإعطاء الشعوب الأخرى دروساً تعليمية عن الحريات، فإنه ليس متوقعاً لعام 2011 أن يكون عاماً سعيداً لواشنطن. ------- ينشر بترتيب خاص مع "تريبيون ميديا سيرفيس"