حضرت قبل أيام محاضرة تدريبية لأساتذة جامعة الكويت على استخدام الفصول الذكية. الفصول الذكية، والحقيبة المدرسية الذكية، والسبورة الذكية، والكتاب الإلكتروني، والتعليم عن بُعد، وغيرها أصبحت مصطلحات متلازمة مع التعليم الحديث والثورة الرقمية والتعليم النوعي. المحاضرة باختصار تدور حول تسجيل كل ما يقوله المحاضر أو الطلبة أثناء المحاضرة، أو ما يكتب طباعة أو باليد على سبورة ذكية تحفظ كل ما يكتب عليها بقلم ذكي يحتفظ في ذاكرته بما خطته ريشته، مع إمكانية تعديل المكتوب وإعادة الاستماع إلى ما قيل عبر الإنترنت، وأكثر من ذلك. الفصل الذكي مؤشر إلى ما تسير نحوه التكنولوجيا من اختزال للوقت والجهد والمحافظة على البيئة وانتهاء عصر الورق والطباشير وأعذار الغياب عند الطلبة. لا حضور ولا غياب بعد اليوم، ونهاية عصر: "حاضر يا أستاذ"، أو "غايب يا دكتور". ليس هناك حديث في الكويت هذه الأيام يطغى على الحديث عن تصويت البرلمان على عدم التعاون مع رئيس الوزراء بعد يومين. التصويت على عدم التعاون بلغة الدستور الكويتي هو بمثابة "طرح الثقة من عدمه" برئيس الوزراء، والأخبار تنبئ باحتمال عدم التعاون -أي عدم طرح الثقة في الحكومة مجتمعة بعدم التعاون مع رئيسها. لكن أمرين غريبين تزامنا مع هذا الحدث التاريخي في الكويت: منشور وقانون. المنشور تناثر في أروقة جامعة الكويت وهو عبارة عن رسالة ونتائج حسابية: الرسالة مختصرها أن غير المتحجبة ملعونة وأنها من أهل النار وأنها لن تدخل الجنة. أما النتائج الحسابية فقد خلص إليها من وزع المنشور بآلة حاسبة عن عدد السيئات التي تحصل عليها التي تخرج من بيتها بلا حجاب. المنشور متطرف وإلغائي، فهو متطرف بلغته، وهو إلغائي لأنه لم يأخذ في الاعتبار أية اجتهادات متنوعة حول الحجاب في الإسلام، والمصيبة أن من وزعه طلبة في المكان نفسه الذي تدربت فيه على الفصول الذكية! تزامن مع توزيع هذا المنشور إصدار مجلس الأمة قانوناً يجيز إطلاق اللحى بالسلك العسكري بالكويت! نعم، اجتمعت لجنة الداخلية والدفاع بالمجلس أكثر من مرة، وعملت عدة ساعات، وجاءت بآراء الخبراء والعسكريين ورجال الدين، وجمعت الفتاوى ثم "فلترتها" وضربتها وقسمتها وطرحتها ثم جمعتها، لتخلص إلى صياغة قانون يجيز تربية اللحى بالسلك العسكري. أحيل مشروع القانون إلى المجلس الذي صوت بدوره على القانون بموافقة ثلاثين صوتاً مقابل 21 صوتاً. تتساءل بغباء: متى كانت اللحى بحاجة إلى قانون؟ الرابط بين الأمرين واضح: حجاب ولحى! الحجاب عبر التعليم، واللحى ترتبط بالعسكر! لكن الملاحظة الأهم أن دخول النار وحسابات السيئات لغير المحجبات وقانون لحى العساكر، متزامن مع مظاهر جديدة وغير مسبوقة في تاريخ الكويت الحديث: هناك سجين رأي وسجين سياسي وضرب وسحل أستاذ جامعي في نفس الجامعة التي أدخلت الفصول الذكية! وهناك إجراءات للتضييق على الحريات من بينها إغلاق مكتب قناة "الجزيرة" التي تحولت فجأة إلى "الصديق اللدود" للمعارضة الكويتية. التعليم هو الحل، وهو المفتاح لمشاكلنا، شعار غالباً ما رددناه: أساتذة ومثقفون، ولا نرى مخرجاً لعالمنا العربي العتيد من دون التعليم -والتعليم النوعي تحديداً. لكن التعليم والمعرفة والعلم أشياء مجردة، العقول هي الحاوي للعلم، وهي التي تترجمه على شكل مخترعات وفوائد للناس، فأي علم سنجني من الفصول الذكية ونحن نربط الحجاب بالجنة والنار؟ وأي تقدم نرجوه ونحن نسن قوانين عبر البرلمان لتربية اللحى؟ وأي رابط بين الحرية والعلم النوعي وذكاء الفصول وبين التطورات القبيحة في الحالة السياسية الكويتية التي طالت الحريات والرأي الحر؟