عندما أطلقنا خطة بناء دولتنا فلسطين في أغسطس 2009، رفضها الكثيرون ورأوا فيها نوعاً من التعالي والتفاؤل المفرط، وأنها حلم بعيد التحقيق. لكن ها نحن نشعر بالشرعية والتأييد، وبشكل كبير واستثنائي. ومن النتائج الملموسة حتى الآن: أكملنا ما يزيد على 1500 مشروع، بما فيها إنشاء عشرات المدارس والعيادات الجديدة ومشاريع الإسكان وبناء طرق وشوارع جديدة في كافة أنحاء فلسطين. لم يُقصَد ببناء الدولة الفلسطينية في يوم من الأيام أن يحل محل العملية السياسية، وإنما تعزيزها والاستفادة منها. وكانت الفكرة إعطاء شعور بالاحتمالية حول ما يمكن أن يحدث، وما يمكن أن نرغب برؤيته يحصل: نهاية للاحتلال الإسرائيلي وفرصة لأن يتمكن الفلسطينيون من العيش كشعب حر في وطنه. يعاني المضمون الذي نعيش فيه من مشاكل كثيرة. لكن إذا استطعنا الحد من مشاكلنا إلى مجرد استمرارية للاحتلال، فسوف نكون في وضع أفضل كثيراً لإنهائه. إنها سلطة الأفكار مترجمة إلى حقائق على الأرض، أي الانتقال بالدولة الفلسطينية من فكرة مجردة إلى واقع ملموس. وذلك أمر سياسي إلى حد بعيد. نعم، الموضوع يتعلق بالتكنوقراطية. الموضوع هو وضع المؤسسات معاً وجعلها تنسّق نشاطاتها، وجعلها أكثر قدرة على توفير خدمات مثل الرعاية الصحية والأمن، هذا ما تعنيه الدولة. لكن إذا ما تمكّنا من إيجاد هذا النوع من الكتلة الحرجة من التغيير الإيجابي على الأرض، فأتصور أنه من الصعب جداً لأي إنسان ينظر إلينا بعدل أن يستمر في الجدل بأن الفلسطينيين غير قادرين على إدارة ما يشبه الدولة. الوضع الموهم بالتناقض الذي يواجهنا هو أن الغالبية على طرفي النزاع يفضلّون حل الدولتين. لكن لا توجد غالبية على أي من الجانبين تؤمن بأن حل الدولتين سوف يحصل. وهذه هي النتيجة الطبيعية لسبع عشرة سنة طويلة من مقاطعة العملية السلمية منذ معاهدات أوسلو. ليس غريباً أن يشعر الناس بالإحباط الساخر. أستطيع النقاش بأن قوة برنامجنا تنبع، جزئياً على الأقل، من الاحتمالات التحوّلية التي يملكها، من حيث أنه يبدأ حقاً بالسماح للناس برؤية دولة تتأسس ويجري إنشاؤها، بأسلوب يعتادون عليه تدريجياً: لا يحصل لهم وإنما يحصل لأجلهم. يصل الناس أحياناً إلى نتيجة أن لا أمل هناك. أستطيع فهم ذلك. لكنهم يفكّرون بالأمور بشكل ساكن. يذهب برنامج بناء الدولة إلى أبعد بكثير من العالم كما هو الآن. تبدأ بالتحرك، بالتصرف وبإيجاد واقع جديد، وهذا بحد ذاته يوفر دينامية أفضل بكثير. أعتقد أن هذا جميعه يصب في شعور من الحتمية يفشل الشعور المهيمن باليأس. سوف يجري إنشاء هذه الدولة على أساس القيم المشتركة عالمياً: الانفتاح والتسامح والتعايش والمساواة وعدم التمييز والحس الكامل بالحقوق والاحتياجات والمتطلبات ومصادر القلق لدى الغير. نريد أن ننعم بسلام دائم مع إسرائيل. لكنك لا تستطيع الوصول إلى تلك النقطة إذا كان كل شيء تفعله سلبياً دون اتجاه أو توجّه؛ يتوجب علينا إيجاد حقائق إيجابية على الأرض، وشعور بالاحترام الحقيقي المتبادل. كتب شاعرنا الراحل محمود درويش مرة: "عندما يصنع السلام فهو يصنع بين من يتساوون في المنزلة". هذا هو ما يلهمني. د. سلام فياض رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"