في أبريل من عام 2007 وضمن فعاليات مؤتمر عقد في مجلس العموم البريطاني حول قضية تأثير وسائط الإعلام على الأطفال طالب الدكتور "إيريك سيجمان"، عالم النفس وزميل الجمعية النفسية البريطانية، بضرورة الحد من حجم الوقت وعدد الساعات التي يقضيها الأطفال في مشاهدة التلفزيون، معرباً عن قلقه من أن "الترفيه عبر الشاشات" أصبح مشكلة صحة عامة، تحمل في طياتها مخاطر طبية جمة، بداية من زيادة الوزن والسمنة ونهاية باضطراب نقص التركيز المصاحب بفرط النشاط (ADHD). وأطلق الدكتور "سيجمان" حينها توصياته الشهيرة بضرورة منع الأطفال دون سن الثالثة من مشاهدة التلفزيون تماماً، وقصر وقت المشاهدة اليومي على ما بين ثلاثين وستين دقيقة فقط لمن هم بين سن الثالثة والسابعة، وعلى ستين دقيقة فقط لمن هم بين سن السابعة والثانية عشرة. أما من هم بين سن الثانية عشرة والخامسة عشرة فيجب ألا يزيد وقت مشاهدتهم اليومية للتلفزيون على ساعة ونصف ساعة يوميّاً، مطالباً الحكومات والجهات الصحية بنشر وتعميم توصيات للآباء حول الوقت الأقصى المسموح به لمشاهدة التلفزيون بالنسبة للأطفال، تماماً كما تنشر تلك الحكومات والجهات توصيات بالحد الأقصى المسموح به لكميات الملح اليومية في الطعام، أو غيره من الأغذية والمواد المعروف عنها التسبب في آثار صحية سلبية. وتتوافق هذه التوصيات مع التوصيات الأخيرة من بعض المنظمات الطبية المتخصصة في صحة الأطفال، مثل الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (American Academy of Paediatrics)، التي تنصح بمنع تعريض الأطفال دون سن الثانية إلى شاشات التلفزيون أو شاشات الكمبيوتر على الإطلاق. وفي ذات الوقت شرعت بعض المنظمات الأخرى المعنية برفع مستوى اللغة والقدرة على القراءة بين الأطفال إلى التوصية هي الأخرى بالحد من ساعات المشاهدة لساعة واحدة فقط لمن هم بين الثالثة والخامسة مع تفضيل أن تتم المشاهدة من قبل جميع أفراد العائلة معاً. وتأتي هذه التوصيات المصحوبة بالعديد من التحذيرات، في ظل تزايد الإدراك لفداحة التأثيرات الصحية، والنفسية، والاجتماعية، واللغوية، لقضاء أوقات طويلة في مشاهدة التلفزيون على الأطفال، وغيره من وسائل الترفيه المعتمدة على شاشات إلكترونية. فعلى صعيد الجانب الصحي البدني أصبحت أصابع الاتهام تتجه بشكل متكرر إلى التلفزيون كأحد الأسباب الرئيسية خلف الوباء العالمي الحالي من السمنة وزيادة الوزن، وخصوصاً بين الأطفال. فحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية يوجد حاليّاً 22 مليون طفل حول العالم دون سن الخامسة مصابين بزيادة الوزن والسمنة، مع التوقع بأن يشهد هذا العدد تزايداً مطرداً خلال السنوات والعقود القليلة المقبلة. وتنتج العلاقة بين التلفزيون وبين زيادة الوزن والسمنة من حقيقة كون ساعات مشاهدة التلفزيون هي عمليّاً ساعات من حالة عدم الحركة شبه المطلقة، وخصوصاً مع وجود "الريموت"، وهو الوقت الذي كان يمكن للجسم فيه القيام بنشاط بدني أو آخر، لحرق الدهون التي تراكمت بين العضلات والأنسجة وحول الجذع والأطراف. وقوة هذه العلاقة، تتضح في نجاح العديد من البرامج الهادفة لخفض الوزن بين أفراد المجتمع من خلال خفض عدد ساعات المشاهدة التلفزيونية للأسرة وأفرادها. فمثلاً في هولندا نجحت بعض البرامج في خفض وزن كثيرين بشكل درامي، من خلال خفض عدد ساعات مشاهدة التلفزيون بمقدار النصف فقط، لا أكثر. وفي أستراليا أصبحت بعض المدن الصغيرة والقرى تعقد اجتماعات دورية لمناقشة زيادة وتنسيق النشاطات الاجتماعية التي يمكن لسكان القرية المشاركة فيها في الوقت نفسه، بهدف فك التصاق المواطنين بشاشات التلفزيون، وسحبهم بعيداً عن كراسيه الوثيرة، وما يتسبب فيه من زيادة في محيط خصرهم جميعاً. ولا تقتصر العلاقة بين التلفزيون وبين زيادة الوزن على فقدان الحركة والنشاط البدني، بل تمتد أيضاً إلى تأثيره السلبي على العادات الغذائية للأطفال من خلال الإعلانات التي تروج لأغذية غير صحية، مرتفعة المحتوى من الدهون والسكريات والأملاح. وقوة هذه العلاقة، ومدى سلبية تأثيراتها، دفعت الحكومة السويدية قبل سنوات، إلى منع الإعلانات الموجهة إلى من هم دون سن الثانية عشرة منعاً تامّاً. وتقترب الحكومة البريطانية يوماً بعد يوم من اتخاذ موقف مماثل لموقف الحكومة السويدية من قضية الأطفال وإعلانات الأغذية، وخصوصاً بعد نشر مفوضية الأغذية البريطانية لورقة عمل أشارت فيها إلى ضرورة أن يتخذ المعلنون موقفاً أكثر مسؤولية تجاه تسويق الأغذية للأطفال وإلا فعليهم مواجهة القوانين والتشريعات. ويتخطى التأثير الصحي السلبي للتلفزيون حدود الصحة البدنية، ليشمل أيضاً مشاكل صحية عصبية ونفسية، مثل حالة فقدان التركيز المصاحب بفرط النشاط سابقة الذكر، وهي الحالة العصبية المرضية التي يقف الأطباء حاليّاً في حيرة من أمرهم أمام تفسير أسباب زيادتها الهائلة خلال العقود القليلة الماضية، وإن كانت شكوكهم بدأت تتجه بشكل متزايد نحو الشاشة الفضية. وفي الوقت نفسه يلقى بعض الأطباء النفسيين وعلماء الاجتماع باللائمة على التلفزيون بشأن بعض المشاكل الاجتماعية والنفسية المنتشرة في المجتمعات الحديثة مثل زيادة حجم وحدة العنف، وانتشار أنماط السلوك العدائي، وتفكك الروابط الاجتماعية والأسرية، وتفاقم مضاعفات العزلة والوحدة، مثل الاكتئاب ومحاولات الانتحار، وحتى ضعف القدرات اللغوية على صعيد حجم المفردات، والقدرة على القراءة والكتابة، وهي ظواهر أصبحت هي الأخرى في رأي بعض المهتمين عرضاً من أعراض تربية الأطفال ونشأتهم من خلال ما أصبح يعرف بالجليسة الإلكترونية.