من يتأمل تصرفات رؤساء الحكومات والدول وتصريحاتهم في العالم سيجد أن ما يبرز على طبعهم هو محاولة البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة. وإذا سمحت الظروف الدستورية لأحدهم في الدول التي تحترم الدستور طبعاً، فلن يتردد لحظة في أن يحكم إلى أن ينقل من "كرسي السلطة" بنعش. ولعل ما يشفع للحكام العرب هنا أن الاعتقاد بأن "فيروس" حب السلطة والكرسي والتمسك به مقتصراً عليهم هو اعتقاد خاطئ، وينبغي مراجعته إنصافاً لزعمائنا، خاصة بعد أن بانت حالات التشبث بالسلطة في العديد من دول العالم بما فيها الدول الديمقراطية التي تؤمن بانتقال السلطة سلمياً. وتحضرني هنا تصريحات الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون، الذي حكم الولايات المتحدة لولايتين متتاليتين، عندما قال: لو لم يمنعني الدستور لتمنيت أن أحكم إلى أن أنقل بنعش من البيت الأبيض. والأمر نفسه ينطبق على بوتين رئيس الوزراء الروسي الذي انتقل من رئاسة الدولة ليصبح رئيس الوزراء بعد انتهاء فترة حكمه، وتم ذلك بترتيبات داخلية وأصبح الرئيس الفعلي لروسيا الاتحادية. وقبل يومين كشف عن نيته خوض انتخابات رئاسية للعام 2012. وهناك العديد من الأمثلة، والقائمة تطول لو أردنا استعراض من رفض تسليم السلطة سلمياً، خاصة في إفريقيا. واهم من يعتقد أن العرب فقط هم من يحبون الحكم وكرسيه، بل الأمر "جينات" موجودة في الإنسان بمجرد أن يصل إلى السلطة! وإذا كان الغرب يتفاخر بأنه من نقل إلينا الديمقراطية والمشاركة السياسية وتداول السلطة وهو منبهر بما نقله، فمن حقنا كعرب أن نفخر بما استطعنا زراعته في أجسامهم من "جينة" أصبحت عالمية بفضل تصدير العرب لتراثهم السياسي وخصوصيته التي تتمثل في "الحكم من المهد إلى اللحد". أظن أن كلينتون وهو رجل ديمقراطي وينتمي إلى مجتمع ليبرالي بالمعنى الحقيقي قال ما يخفيه الآخرون من حب "كرسي السلطة"، رغم أن ما صرح به كان بقصد الممازحة فهو كان صريحاً وواضحاً أكثر من غيره، لكنه استدرك بأنه بدون تحديد فترات رئاسية وفق الدستور يترك بعدها الرئيس منصبه وإلى الأبد فإنك لن تجد من يرغب بنفسه في تسليم السلطة بسلاسة. يحسب للعرب شجاعتهم في الإعلان عن جينة كرسي السلطة التي تحولت إلى فيروس، وأن الانتخابات ومهرجانات السياسة ما هي إلا حفلات لإنفاق الأموال. فالذي يجلس على الكرسي يتمنى أن يدوم له إلى أن يموت. التاريخ أكد أن اتهام العرب فقط بحب السلطة فيه مبالغة، وأن ادعاء الغرب الزهد فيها أمر لا يطابق الواقع، بل إن قوة الدستور هي التي تفرض احترامها، وأن المقولة التي يرددها البعض من أن ما يقوم به هو تكليف لا تشريف، هي فهم الأمور بمنطق مقلوب، وذلك الذي أنتج رؤساء من فصيلة مانديلا، ومهاتير محمد، اللذين تنازلا عن السلطة برغبتهما، وهذا استثناء القاعدة! الكرسي "فيروس" معدٍ وجاذب لكل الناس، لذا ينبغي أن لا يتهم أحد العرب فقط، ومن يسمع أو يقرأ لمن جربوا الجلوس عليه يدرك حقيقة الأمر، والخوف هو من انتشار خصوصية عربية خالصة إلى العالم كله، فلو أصاب البشر في العالم فسينتشر حكم الفرد الذي يتهدد الكثير من الدول، بما فيها تلك التي تسير على نهج الديمقراطية.