"ملتقى العمل الأهلي"، الذي نظّمته وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخراً تحت شعار "القطاع الأهليّ من منهجيّة الرعاية إلى التنمية"، يعكس بوضوح الفلسفة الجديدة للعمل الأهلي التي تتطلّع الوزارة إلى تحقيقها في الفترة المقبلة، والتي تقوم على أساس المشاركة في التنمية، بمعنى التحوّل في أهداف العمل الأهلي، بحيث لا يقتصر على تقديم الرعاية والمساعدة لبعض الفئات، وإنما الانخراط في مشروعات التنمية التي تعود بالنفع على المجتمع بوجه عام. الدور التنمويّ المأمول أن تقوم به الجمعيات الأهلية في الفترة المقبلة، يتأسس على جملة من الاعتبارات المهمّة، أولها الزيادة المطّردة في أعداد هذه الجمعيات، حيث تجاوزت وفقاً للإحصاءات الرسمية 135، كما تزايدت إيراداتها السنوية بصورة واضحة وتجاوزت 600 مليون درهم، وهذا يشير إلى إمكانيّة توجيه جانب من هذه الإيرادات نحو مشروعات تنمويّة تخدم المجتمع. ثانيها أن الجمعيات الأهلية العاملة في الدولة تمتلك المقوّمات والإمكانات التي تؤهلها للقيام بهذا الدور، سواء أكانت إدارية أو مالية، فالدّعم الذي تقدمه لها وزارة الشؤون الاجتماعية يسهم ليس في تطويرها والارتقاء بأدائها فحسب، بل في قيامها بدور تنمويّ مهمّ ينعكس إيجاباً على الحياة الاجتماعية بوجه عام. وتبرز في هذا الصدد التعديلات التي أدخلتها الوزارة على مشروع اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2008 بشأن الجمعيات ذات النفع العام، وهي تعديلات تفتح أمام هذه الجمعيات مجال الاستثمار للاستفادة من الفوائض الماليّة في ميزانيتها، ولتوفير الدخل اللازم لخططها وأهدافها وأنشطتها الخيريّة. ثالثها الدور الإيجابيّ الذي أصبحت تقوم به بعض الجمعيات الأهلية في التصدّي لبعض الممارسات الاقتصادية السلبية، ويبرز في هذا الشأن الدور الذي تقوم به الجمعيات التعاونية المنتشرة في الدولة لضبط الأسعار والأسواق، إذ أصبحت قادرة بالفعل على إيجاد سوق موازية للقطاع الخاص، وهذا بلا شك يسهم في الحدّ من غلاء الأسعار واحتكار بعض السلع الأساسية. لكن في مقابل هذا الدور الإيجابيّ، هناك بعض أوجه القصور في أداء العديد من الجمعيات الأهليّة الأخرى، حيث تفتقر إلى برامج عمل واضحة، تعكس حقيقة الأنشطة والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، ويبدو أنها تمارس أنشطتها بشكل موسميّ بتنظيم بعض الفاعليات في مناسبات مختلفة، ناهيك عن وجود تضارب أحياناً في طبيعة عملها، وهو أمر يفرض بدوره العمل على توجيه هذه الجمعيّات، وعلاج أوجه القصور التي تعانيها، حتى تتمكّن من القيام بدورها في خدمة المجتمع وتنميته بشكل حقيقي. وتشير خبرة كثير من دول العالم إلى أن جمعيات العمل الأهلي أصبحت تضطلع بأدوار مهمّة في مجال التنمية، سواء بشكل غير مباشر من خلال دعمها مجالات مثل التعليم والصحة، أو بشكل مباشر عبر انخراطها في بعض المشروعات التنمويّة كتمويل مشروعات المرأة والشباب. والمأمول في ظل التوجّهات الجديدة لوزارة الشؤون الاجتماعية أن يشهد العمل الأهلي في الدولة قفزة نوعيّة في الفترة المقبلة، حتى يكون شريكاً تنموياً يرفد مشروعات الدولة الاجتماعية ويدعمها، ويتفاعل بصورة إيجابية مع مشكلات المجتمع وقضاياه عبر برامج محددة ومستمرة تنعكس على تنمية المجتمع وحركة تطوّره.