عرّف هارولد بلوم، في كتابه "قانون قائمة المؤلفات الغربية"، قائمة المؤلفات الأدبية بأنها "مُختارات الكُتُب في مؤسساتنا التعليمية"، مشيراً إلى أن السؤال الحقيقي الناتج عن ذلك هو التالي: "أيّ كتاب يتعيّن على المرء الذي لا يزال يرغب بالقراءة أن يختاره في تاريخنا الحديث هذا؟". وكما يرى بلوم، فإنه يمكن للمرء، وفي أفضل الأحوال، أن يقرأ في حياته جزءاً بسيطاً فقط من المؤلفات العديدة الرائعة التي وضعها الكتّاب الذين عاشوا وعملوا في أوروبا وفي الأميركيتين ناهيك عن سائر الكتّاب في أنحاء أخرى من العالم. وحتى في حال أردنا الالتزام بالتقليد الغربي وحده، فما هي الكتب التي يترتب على الأشخاص قراءتها؟ لا شك في أنّ المجتمع والثقافة الغربيين قد تأثرا بشكسبير، وبدانتي -كاتب "الكوميديا الإلهية"- وبالكتّاب القدامى أمثال هوميروس، وفيرجيل، وسوفقليس. لكن، هل تأثّرنا بهم لأننا قرأنا مؤلفاتهم مباشرةً؟ يذكّرني ذلك بحجة أطلقها بيار بايارد في كتابه المعنون "كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها"، ومفادها أنه من غير الضروري قراءة كتاب بالكامل لإدراك أهميته الكبرى. فيبدو واضحاً مثلاً أنّ الإنجيل ترك أثراً عميقاً في الثقافتين اليهودية والمسيحية في الغرب، وحتى في ثقافة الأشخاص من غير المؤمنين وغير المنتمين للديانتين، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ كافة الأشخاص الذين تأثروا به قد قرأوه من البداية إلى النهاية. وينطبق الأمر نفسه على مؤلفات شكسبير وجيمس جويس. فكي يكون الإنسان مثقفاً أو مسيحياً صالحاً، هل عليه قراءة "سفر الملوك" أو "سفر العدد"؟ وهل عليه قراءة "سفر الجامعة"، أم يكفي أن يعرف بطريقة غير مباشرة أن هذا السفر يدين "باطل الأباطيل"؟ وهكذا، فإن قانون قائمة المؤلفات لا يشبه المنهج الدراسي الذي يشكّل مجموعة الكتابات التي يتعيّن على التلميذ قراءتها بحلول نهاية دراسته. تبدو المشكلة اليوم معقدة أكثر من أي وقت مضى. وخلال مؤتمر أدبي دولي عُقد أخيراً في مدينة موناكو، دار نقاش حول موقع قانون قائمة المؤلفات في زمن العولمة. ففي حال مثلاً كانت أزياء المصممين "الأوروبيين" تُصنع في الصين، وفي حال كنّا نستخدم الحواسيب والسيارات اليابانية، وفي حال كان سكّان نابولي يتناولون الهامبرغر بدلاً من البيتزا... باختصار؛ إذا تقلّصت رقعة العالم لتتخذ أبعاداً ضيّقة، وحيث يطالب الطلاب المهاجرون في أنحاء الكرة الأرضية بأن يتمّ تدريسهم تقاليدهم الخاصة، فكيف سيكون حينئذٍ حال قانون قائمة المؤلفات الجديد؟ جاءت إجابة بعض الجامعات الأميركية عن هذا السؤال على شكل تحرّكٍ، وبدل أن يبدو لائقاً، بدا -وبالعكس- غير لائقٍ إلى حدّ الغباوة. فقد اقترح البعض، نظراً لأن جامعاتنا تضم عدداً كبيراً من الطلاب ذوي الأصول الإفريقية، التخفيف من تدريسهم شكسبير وتكثيف تدريسهم الأدب الإفريقي. إنه بالفعل اقتراح ساخر قد يدفع ثمنه كافة الطلاب الذين يستعدون لخوض غمار العالم الحقيقي من دون فهم المراجع الأدبية العالمية، مثل منجاة هاملت الشهيرة بعبارة «أن تكون أو لا تكون»، ومن ثم يحكم عليهم بالبقاء على هامش الثقافة المسيطرة. ويجب فعلياً توسيع نطاق قانون قائمة المؤلفات الحالي بدلاً من استبداله بآخر. وعلى غرار ما تم اقتراحه مؤخراً في إيطاليا حيال الدروس الدينية الأسبوعية التي تُعطى في المدرسة، فيجب على التلاميذ تعلّم ما يتيسّر من القرآن والتعاليم البوذية إلى جانب الإنجيل. وعلى حدٍّ سواء، ما من سوء في أن يتمّ تدريس تلاميذ القسم الثانوي، إلى جانب حضارة اليونان القديمة، ما يتيسّر من التقاليد الأدبية العربية والهندية واليابانية أيضاً. سافرتُ منذ فترة قصيرة إلى مدينة باريس للمشاركة في مؤتمر حضره مفكرون أوروبيون وصينيون. وقد شعرتُ بإحراج كبير لأنّ نظراءنا الصينيين كانوا مطلعين كل الاطلاع على إيمانويل كانط، ومارسيل بروست لدرجةٍ مكنتهم من وضع مقارنةٍ بين لاو تسو وفريديريك نيتشيه (بغض النظر عن دقتها أو عدم دقتها) فيما بدا معظم الأوروبيين بالكاد قادراً على الذهاب أبعد من حدود كونفوشيوس، حتى أنهم اعتمدوا أحياناً على تحليل ثانوي المصدر. واليوم، يواجه هذا التصوّر المثالي والعالمي بعض الصعوبات. فيمكن تدريس الشبان الغربيين "الإلياذة" لأنه سبق لهم أن سمعوا بهكتور وأغاممنون ولأنّ إلمامهم الثقافي الهزيل يشمل تعابير مثل "حكم باريس" و"كعب أخيل" (ويُشار في هذا الصدد إلى أن طالباً أجرى اختبار دخول إلى جامعة إيطالية ظنّ خلاله أن مصطلح "كعب أخيل" يشير إلى مرضٍ على غرار التهاب مفصل الركبة أو التهاب مفصل المرفق). ورغم ذلك، كيف يمكن إثارة اهتمام هؤلاء التلاميذ بالملحمة السنسكريتية "مهابهاراتا" أو "رباعيات عمر الخيام" على نحوٍ يبقي هذه الأعمال مطبوعة في ذاكرتهم؟ هل يمكننا صياغة منهجٍ تربوي يتناسب مع العالم الذي يشهد عولمة في حين يبدو أن الأكثرية الساحقة من الغربيين المثقفين تجهل كلياً أنه بالنسبة للجورجيين، فإن إحدى أعظم القصائد في التاريخ الأدبي تعود للشاعر الجورجي "شوتا رستافلي" وكان عنوانها "الفارس في جلد النمر الأسود"؟ وفي حين يختلف الباحثون المختصون أنفسهم حول ما إذا كان الفارس، في النسخة الجورجية الأصلية، يرتدي فعلياً جلد نمر أسود أو نمر بلون آخر أو حتى جلد فهد، فهل يمكننا نحن الغربيين أن نصل إلى ذلك الحدّ أم سنستمر في التساؤل: "من هو شوتا"؟