ذات مرة قال الرئيس الأسبق رونالد ريجان: "لقد تخلى عني الحزب الجمهوري قبل أن أتخلى عنه". ومثل كثيرين غيري من التقدميين المؤيدين لأوباما، فقد بدأ ينتابني ذات الشعور الذي عبر عنه ريجان في قولته الشهيرة تلك إزاء أوباما. ولننظر إلى ما يحدث حولنا منذ الهزيمة الكبيرة التي مني بها "الديمقراطيون" في انتخابات نوفمبر الماضي. ففيما يتعلق بالحرب على أفغانستان، أعلنت الإدارة أن خطة الانسحاب المقرر بدء تنفيذها اعتباراً من شهر يوليو من العام المقبل لن تنفذ. فمن جانب يتحدث البيت الأبيض عن موعد محتمل لتنفيذ خطة الانسحاب في وقت ما من عام 2014. ومن جانب آخر يتحدث "بترايوس" عن عدة عقود من الاحتلال الأميركي لأفغانستان. أما في مجال التعاون الثنائي الحزبي على القضايا والتحديات التي تواجه أميركا، فيبدو أن الرئيس يعتقد أن التعاون الثنائي يتطلب حطاً من قدر الذات. فقد اعتذر أوباما للقيادة "الجمهورية" التي تعانده عن رفضها التعاون معه. ولم يكن غريباً أن نظر "الجمهوريون" إلى ذلك الاعتذار على أنه إشارة ضعف من الرئيس، فردوا عليها بالمزيد من التعنت والامتناع عن التعاون مع إدارته. كما اتخذ أوباما خطوة خاطئة باجتماعه بمسؤولي غرفة التجارة المعروفين بقوة انتمائهم الحزبي على رغم أن الحملة المستقلة التي قادتها الغرفة مؤخراً تعد الأكثر تجرداً من النزاهة في التاريخ الأميركي. أما في المجال الاقتصادي، فقد تخلى الرئيس عن أهم ما يهم الأميركيين: الأمن الوظيفي وخلق الوظائف الجديدة، ليسلط جهوده كلها على ما تهتم به نخبة "بلتواي": عجز الموازنة الحكومية. كما أن تجميده لدفعيات العمال والموظفين الفيدراليين -وهو قرار رمزي أكثر من أن يكون له تأثير يذكر على خفض عجز الموازنة الحكومية- لم يفعل شيئاً سوى تعزيز معارضة الجناح الأكثر يمينية بين صفوف "الجمهوريين"، الذين وصفوا القرار بأنه يعني عملياً دفع رواتب وامتيازات للعمال والموظفين الفيدراليين تفوق ما يستحقونه فعلاً. ويقول معارضو القرار من اليمينيين إن مشكلتنا الرئيسية هي ارتفاع معدل الإنفاق الحكومي. ومثلما تعارض الإدارة استمرار الخفض الضريبي على الفئات الاجتماعية الأكثر ثراءً، فإن علينا أن نطالبها بتبني سياسات التقشف الاقتصادي الآن، بدلاً من التعاون معها في المجال الاقتصادي، وهو ما تريده. وها هو الرئيس يسجل مزيداً من التراجعات عن سياساته السابقة. تشمل هذه التراجعات إبرام صفقة تجارية مع كوريا الجنوبية شبيهة باتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة "نافتا". كما يبدي أوباما استعداداً الآن لقبول إجراء خفض لفوائد نظامي الضمان الاجتماعي ومديكير، إضافة إلى قبوله خفضاً غير مسؤول للاستثمار في البرامج الداخلية. وفي الاتجاه نفسه يبدو الرئيس على وشك الانحناء أمام أجندة "الجمهوريين" الهادفة إلى تمديد سريان الخفض الضريبي لأثرياء أميركا -وهو الخفض الذي أقرته إدارة بوش السابقة- مقابل الحصول على تأييد "الجمهوريين" لتشريع تمديد سريان فوائد ضمانات البطالة، فضلاً عن الأمل في كسب تأييدهم لمشروع معاهدة "ستارت" الجديدة. وعلى أية حال، فإن المخاطر أكبر بكثير مما يكون عليه مصير أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي لا تزال بعيدة جداً من الآن. يذكر في هذا الصدد أن أوباما قد أشار -إشارة غير مقنعة للكثيرين- إلى تفضيله لأن يكون عهده الرئاسي ولاية واحدة بدلاً من أن يستمر لولايتين رئاسيتين دون أن ينجز فيهما شيء مما يطمح إليه. غير أن هناك خيارات وبدائل أخرى لذلك التصريح. فإذا ما استمر الرئيس في نهجه الحالي، فإن ذلك يعني أننا إزاء عهد رئاسي فاشل حتى في ولايته الوحيدة، وهذا ما لم يمكن للأميركيين احتماله. وإذا ما صرفنا النظر مؤقتاً عن التفويض الانتخابي ووعود الحملات الانتخابية الرئاسية، فقد منح هذا الرئيس تفويضاً تاريخياً. ومثلما كان على الرئيس الأسبق أبراهام لنكولن قيادة أمتنا من الاسترقاق إلى الحرية واحترام الكرامة الإنسانية، وكذلك كان على الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت إنقاذ أميركا من هوة الكساد العظيم التي سقطت فيها، فإن على أوباما إنقاذ أمتنا من ثلاثة عقود مستمرة من هيمنة "المحافظين" و"الجمهوريين" على الحكم. ويتطلب القيام بهذه المسؤولية، تصحيح السياسات الضريبية الحالية -وهي ذات السياسات التي ساهمت في انتشار الظلم الاجتماعي في فترة نشوء النقابات والاتحادات المهنية سابقاً في التاريخ الأميركي- إضافة إلى تجفيفها للموارد الحكومية اللازمة للاستثمار الذي يمثل أهمية كبيرة لتعافي ونمو اقتصادنا القومي. كما يتطلب القيام بالمسؤولية نفسها، تصحيح انعدام التوازنات الاقتصادية الدولية المسببة لعدم الاستقرار المالي الاقتصادي، ووضع أساس جديد لإحياء الصناعات الأميركية وتعزيز الاستثمار المالي. ويعني كل ذلك أن تتولى أميركا زمام القيادة العالمية في المجال الاقتصادي بدلاً من تخلفها عن الركب فيما يعرف بالثورة الصناعية الخضراء. وإن كان أوباما مستعداً للنهوض بمسؤوليته التاريخية هذه، فإن عليه التخلي عن المغامرات العسكرية الخارجية التي لا تجلب لأميركا شيئاً سوى الدمار الذاتي. كما أن على الرئيس تعزيز "العقد الاجتماعي الأميركي" الأساسي في الاقتصاد العالمي بدلاً من إضعافه. وإذا كان الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون قد ضل أجندته الرئاسية عقب تبنيه للمشروع المحافظ الذي حددته الشركات، فخضع بذلك لغواية قادة مؤسسات وول ستريت أكثر من غواية مونيكا لوينسكي التي زلزلت أركان رئاسته، فإن أوباما يواجه تحدياً مشابهاً اليوم، إذ ينبغي عليه مقاومة المشروع الاقتصادي المحافظ، قبل أن تضل أجندته الرئاسية طريقها، فتتماهى مع أجندة المحافظين الذين جثموا على صدر أميركا وكتموا أنفساها لعدة عقود مضت. كاترينا فاندين هويفل كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"