لعدة مرات يتم الإعلان عن غرامة الهوية وعدم إنجازها وتؤجل المهلة، هذا الوضع مستمر منذ مدة زمنية ليست بالقصيرة، وكأن الأمر عندما تم إطلاقه لم تُوضع له استراتيجية تتحقق من خلالها الأهداف المرجوة من إصدار الهوية. ولأنها قضية في غاية الأهمية، فإن الأمر كان يستحق عناء التدابير والتخطيط، وأن يُعالج باستيعاب مطلق للطاقة الاستيعابية للمراكز. فرقم من لم يسجلوا في الهوية يفوق الخمسة ملايين، ولم تكن المهلة المعطاة تتوافق مع طاقة المراكز والعدد المهول، الذي كان سيذهب للتسجيل مما يعني أن هذا الوضع كان يجب تقييمه بشكل دقيق. وبلا شك أن بطاقة الهوية خطوة مهمة جداً ليس فقط من جانب التسهيل كونها ورقة ثبوتية، بل أيضاً من جانب أمني خاصة، وأننا بلد يستقبل مئات العاملين كل يوم. ولكن تكرار معضلة التأجيل، يطرح تساؤلاً مؤداه: لماذا لم يكن قرار استصدار الهوية مع التجديد للإقامة أمراً يتم إقراره منذ بداية الاتجاه نحو إصدار بطاقات الهوية؟! هو قرار صحيح إلى حد بعيد، خاصة إذا كنا نتحدث عن فهم ملح لمستلزمات الهوية واشتراطاتها. حتى الفئة العمرية لم يكن أمرها واضحاً، فالكثيرون حتى اليوم لا يعلمون أن عليهم تسجيل أبنائهم، وأن فئة خدم المنازل مشمولة ضمن الجميع. ويبدو أن الإلمام بكل مستلزمات البطاقة وفئاتها العمرية كان غير واضح، ناهيك عن مشاكل توصيل البطاقة وتأخيرها، بل وضياعها أحياناً، قد لا نطالب بالمستحيل حين نلح في طلب الكمال، ولكن الاهتمام بنقاط الضعف يجعل من العمل أكثر جودة واستقراراً. نحن هنا لا ننكر الجهد الواضح المبذول من الهيئة وفريق عملها، ولكن هناك أموراً تستدعي التوقف عندها والمطالبة بإعادة صياغتها. فالأمر ليس شأناً خاصاً أو محلياً فقط يتعلق بالمواطنين الذين يشكلون نسبة ليست كبيرة مقارنة بغيرهم، بل هي قضية تشمل الجميع دون استثناء، وهو أمر خطير حين يهتم بعضهم بتفاصيل كل الذين يعيشون على أرض البلاد، ولا يعرف المعنيون أي شيء سوى معلومات الإقامة، وهي معلومات غير كافية للإلمام بمن يعيشون بين ظهرانينا. وعلى الرغم من كون "هيئة الهوية" حققت نجاحات لا يمكن إنكارها، لكن أيضاً هي مطالبة بالاستمرار في عمل سيُشهد له بالكفاءة إلى آخر المشوار، ولا ندعي سهولته البتة، إنها فقط فكرة التخطيط المدروس الذي يتعين تنفيذه منذ البداية. وأزعم أن المشكلة في الأساس مشكلة أرقام، كعادتنا حين لا ننشغل كثيراً بها في الوقت الذي تعد فيه هي الأهم في كثير من القضايا إنْ لم تكن كلها. وهي مشكلة لدى كثير من القطاعات، فلا شيء أدق من الأرقام، وهي وحدها البوصلة العقلية لكثير من الأمور التي نحتاج إلى بث ملح فيها، فمن دونها تظل الأمور غير جلية لمن يرغب في حلها بشكل يتوافق مع كل الأطراف. نشد على أيادي القائمين على "هيئة الهوية" ونسألهم فقط مزيداً من الوضوح ليتم تحقيق هدف استصدار بطاقة هوية.