بين حكومة انتعاش الأمل في العراق... ومسار الأفق المسدود في الشرق الأوسط! الآمال المعلقة على الحكومة العراقية الجديدة، وتراجع فرص اجتراح تسوية في الشرق الأوسط، وانتصار أوباما السياسي بالتصديق على اتفاقية "ستارت الجديدة"، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أمل في العراق علقت افتتاحية لصحيفة لوموند على انتعاش الآمال في بغداد بعد تشكيل الحكومة العراقية هذا الأسبوع، ونيلها مصادقة البرلمان، مشيرة إلى أن الوقت ما زال مبكراً، مع ذلك، للقول إن بلاد الرافدين قد تجاوزت بالفعل الأزمة السياسية المزمنة التي ارتمت فيها، والمخاض العسير الذي عرفته طيلة التسعة أشهر الماضية، أي منذ استحقاق الانتخابات التشريعية. وخلال تلك الأشهر التسعة ظل العراق مسرحاً محتدماً للتجاذبات الداخلية بين الكتل السياسية، والضغوط الإقليمية والدولية، على نحو أنهك هذا البلد الخارج من ست سنوات من الحرب الأهلية، والمتميز بشدة تنوع واختلاف مصالح واستقطابات مكوناته السكانية بما يجعل التوفيق بينها أمراً بالغ الصعوبة. فهنالك الاستقطاب وخطوط الصدع الغائرة مذهبيّاً وعرقيّاً، بين الشيعة والسنة العرب، وهنالك استقطاب إثني بين العرب والأكراد. وهنالك التأثيرات الإقليمية. وفوق هذا لم تتكشف انتخابات مارس الماضي نفسها عن أغلبية واضحة. بل كرست عمليّاً ظهور كتلتين كبيرتين: من جهة تحالف شيعي يقوده رئيس الوزراء المالكي، ومن جهة أخرى قائمة "العراقية" العلمانية التي يقودها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي ويدعمها السنة. وبعد طول مخاض واصطفافات ماراثونية، تمكن المالكي أخيراً من الاحتفاظ بمنصبه على رأس الحكومة مع عملية إشراك موسعة للقائمة "العراقية"، لينتهي كل ذلك بتشكيل حكومة تعتبر في نظر المراقبين تشكيلة "وحدة وطنية". ولكن على رغم ذلك تشكلت هذه الحكومة وهي ناقصة العدد حيث بقيت حقائب مهمة معلقة، كما أن التوافق الذي بنيت عليه يبقى هشاً أيضاً. وأكثر من هذا أن احتفاظ المالكي بمنصبه إنما تم التوافق عليه باعتبار أن علاوي سيتولى منصباً مستحدثاً هو رئاسة "المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية"، ولكن لا أحد حتى الآن يعرف على وجه الضبط الدور المنوط بهذه الهيئة الجديدة، وإن كان السنة عموماً يؤكدون أنها ستكون جهة تنفيذية مخولة باتخاذ القرارات، في حين أن الشيعة يؤكدون أن سلطتها ستكون استشارية، فقط لا أكثر. وتمضي لوموند في افتتاحيتها مؤكدة أن بقاء المالكي، الشيعي، على رأس الحكومة، والطالباني، الكردي، في رئاسة الجمهورية، وأسامة النجيفي، السني، في رئاسة البرلمان، إنما يؤكد تمكن العراق من تكريس اقتسام موسع للسلطة بين شرائحه السكانية الثلاث الكبرى. وكان الرئيس الأميركي قد هنأ نفسه على النجاح المتحقق في العراق، بمناسبة تشكيل حكومة المالكي ومنحها الثقة، معتبراً أن ذلك يشكل عمليّاً خطوة بالغة الأهمية على طريق استعادة الحياة طبيعيتها في بلاد الرافدين، وأن هذا الإنجاز سيساعد على تسريع وتيرة أجندة الانسحاب الأميركي، إلا أن رحيل بقية الجنود الأميركيين الـ50 ألفاً الباقين حتى الآن في العراق يتوقع ألا يكتمل قبل نهاية العام المقبل 2011. وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالتذكير بأن العراق عانى من الحروب منذ ثلاثة عقود، وهذا ما جعل سقف الآمال المعلقة الآن على حكومة المالكي مرتفعاً، لجهة إلحاح استعادة أجواء التعايش والسلام الاجتماعي، والشروع في العمل على طريق التنمية وإعادة الإعمار. إخفاق في الشرق الأوسط الكاتب لوران زكيني كتب في صحيفة لوموند مقالاً تحليليّاً بعنوان "الإخفاق الأميركي يهدد أمل السلام في الشرق الأوسط"، قدم في بدايته صورة متشائمة عن فرص تحقيق السلام، واصفاً مسرح العملية الآن، بعد مرور سنتين على دخول أوباما البيت الأبيض، بأنه يشبه حقل حطام دبلوماسي حقيقي. فبعد ما أطلق أوباما بواعث أمل قوية بسبب النبرة القوية الإيجابية في خطابه بالقاهرة في يونيو 2009، أدت العراقيل والعقبات المتكاثفة لاحقاً إلى تآكل رصيده السياسي لدى الإسرائيليين، والفلسطينيين، والدول العربية. واليوم إذ يعود مبعوثه جورج ميتشل في جولة ماراثونية أخرى إلى المنطقة، إنما يفعل ذلك بروح لاعب متعب تطلب منه إعادة اللعبة المنهكة ذاتها للمرة الألف. وهو في نظر محاوريه يكرس الاعتراف بالفشل الذي توصلت إلى الاعتراف به من قبل وزير الخارجية هيلاري كلينتون في 10 ديسمبر. وحين اصطدمت التحركات الأميركية خلال الأشهر الماضية بعقبة استمرار التوسع في الاستيطان، بدت أيضاً في موقف لا يسمح لها بإقناع الطرف الفلسطيني بالتخلي عن شرط وقف الاستيطان، لأن الموقف الفلسطيني -والدولي- صلب في هذه النقطة بالذات، حيث يستحيل استمرار التفاوض من أجل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في وقت يتم فيه الاستيلاء على الأراضي التي ستقام عليها هذه الدولة المنشودة. بل إن تصريحات الوزيرة كلينتون المعارضة لأية تحركات فلسطينية من جانب واحد، خاصة فيما يتعلق بإعلان الدولة وانتزاع الاعتراف الدولي بها، أحبطت الفلسطينيين، الذين اعتبروا أنها موالية للطرف الإسرائيلي، بشكل يتعذر معه أن تتمكن من فرض تسوية للنزاع في الأفق المنظور. وفي مقابل انعدام الفاعلية الأميركية انفتحت شهية نتنياهو لقضم المزيد من الأراضي من خلال الاستمرار في الاستيطان بوتيرة محمومة، ليجد بذلك شعبيته وقد ارتفعت في استطلاعات الرأي، في صفوف شارع إسرائيلي تتغول فيه أكثر التيارات تطرفاً ويمينية، وتجتاحه تظاهرات التعصب واللاتسامح. ويتساءل الكاتب، أخيراً: إذا كانت أميركا قد أثبتت بالفعل عجزها عن لعب دور الدركي القادر على فرض السلام، فهل جاء الآن، يا ترى، دور أوروبا للتأثير بشكل أكثر فاعلية وحيوية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إسهام أقوى وأنجع في جهود الدفع بالعملية السلمية؟ لعل آخر ما يستحق الذكر في هذا الصدد، يقول الكاتب، هو مطالبة 26 مسؤولاً أوروبيّاً سابقاً بضغط أوروبي على إسرائيل، بما في ذلك إعطاؤها مهلة محددة للامتثال لقرارات الأمم المتحدة، وإلا يكون من اللازم اتخاذ تدابير ضدها. ولكن هذه الشجاعة في مواجهة إسرائيل التي تنتاب المسؤولين الأوروبيين بعد مغادرة مناصبهم، ينسفها تردد القارة العجوز عموماً في خوض مثل تلك المواجهة، وفي الأذهان هنا رد فعل الاتحاد الأوروبي على استفزاز العودة إلى الاستيطان، في بيان بارد صدر يوم 13 ديسمبر الجاري، واكتفى بمجرد التعبير عن الأسف اللفظي، وبعبارات خشبية محسوبة بعناية. "ستارت 2": انتصار لأوباما أجمعت الصحف الفرنسية -تقريباً- على اعتبار المصادقة على اتفاقية "ستارت الجديدة" في مجلس الشيوخ الأميركي، هذا الأسبوع، انتصاراً كبيراً لأوباما في مجال السياسة الخارجية. في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو قال الكاتب بيير روسلين إن هذه المصادقة تشكل خبراً ساراً لأوباما وللعالم، وخاصة أنها جاءت في ظرف يجد الرئيس الأميركي فيه نفسه بحاجة إلى انتصار سياسي بعد صفعة الانتخابات النصفية التي تعرض فيها الحزب "الديمقراطي" لتصويت عقابي أفقده السيطرة على إحدى غرفتي الكونجرس. ومن شأن هذه المصادقة في مجلس الشيوخ أن تسهل مهمة سياسة الانخراط مع روسيا التي يتبعها أوباما، كما أنها جاءت كبادرة تعاون وتفاهم بين أوباما ومنافسيه "الجمهوريين" في الكونجرس الذين بادلهم بالموافقة على تمديد خطة بوش للتخفيض الضريبي، ومما يزيد أهمية هذه المقايضة أن أوباما يسعى إلى نوع من تكريس سياسات الثنائية الحزبية، فيما يتعلق بالديباجات الكبرى من سياساته الداخلية والخارجية. وفي الأخير اعتبر الكاتب أن ما تحقق من فتح قنوات تفاهم ثنائية الاتجاه مع "الجمهوريين" يمكن أن يحسب أيضاً ضمن إنجازات الأمين العام للبيت الأبيض الجديد "بيت روز" الذي حل في هذا المنصب بعد استقالة "رام إيمانويل". أما صحيفة ليبراسيون فقد اعتبرت أن المصادقة على "ستارت 2" بأيام قليلة قبل موعد أعياد الميلاد، شكّل هدية لا تقدر بثمن لسيد البيت الأبيض، وأكثر من ذلك أن 13 من المشرعين "الجمهوريين" صوتوا إلى جانبه، ليحقق بذلك إنجازاً مهمّاً في السياسة الخارجية، سيدعم موقفه السياسي الداخلي والخارجي معاً. إعداد: حسن ولد المختار