يعدّ نظام تحويل مرتبات العاملين وأجورهم إلى المصارف والمؤسسات الماليّة، الذي تم تحت إشراف "المصرف المركزيّ" بالتعاون مع عدد من المصارف العاملة في الدولة، إحدى أهم المبادرات في مجال حماية حقوق العمال في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة الأخيرة، حيث نجح هذا النظام بالفعل في تمكين فئة كبيرة من العاملين من الحصول على مرتباتهم وأجورهم كاملة، وفي الوقت المحدّد لها دون إبطاء، وهو ما يسهم في القضاء على ظاهرة احتجاز بعض أصحاب العمل مرتّبات العاملين لديهم لفترات طويلة. لكن بيانات "المصرف المركزي" التي خرجت مؤخراً تشير إلى أن نظام تحويل رواتب العمال عبر المصارف لم يطبّق بشكل كامل حتى الآن، بل لم تتجاوز نسبة تطبيقه أكثر من 34.4 في المئة من إجمالي عدد العاملين المستهدفين، والبالغ نحو 4.1 مليون عامل، ما يعني أنه ما زال هناك حوالي 65.6 في المئة من العاملين المستهدفين لم يشملهم النظام بعد. وقد ردّ "المصرف المركزي" هذه النتائج غير الإيجابية لعدم التزام العديد من المؤسسات تحويل مرتبات عمالها عبر النظام المذكور. هذه البيانات التي ذكرها "المصرف المركزي" تشير إلى أمور مهمة عدّة، أولها أنه رغم الجهود المضنية التي تبذلها دولة الإمارات في إطار تطوير مناخها الاقتصادي، وصيانة حقوق الفئات الاجتماعية المختلفة فيها، وفي مقدّمتها العمال، فإن بعض المؤسسات تسيء، من خلال عدم التزامها التدابير التي يتم إقرارها، إلى هذه الجهود، وتحدّ بشكل كبير من الآثار الإيجابيّة التي يفترض أن تنتج عنها، وهذا نابع من نظرة قاصرة لدى هذه المؤسسات تتجاهل حقيقة أن وجود مناخ إيجابيّ ومستقر للعمل إنما يصبّ في النهاية في مصلحتها ومصلحة أعمالها ونشاطاتها. الأمر الثاني، هو أن الممارسات السلبيّة التي تقوم بها بعض المؤسسات تجاه العمال وتسبب الشكوى من قبلهم، لا تعبّر عن سياسة الدولة، وهي السياسة التي تعطي الحفاظ على حقوق العمال أهمية كبيرة ومتقدّمة في سلم الأولويات، ووضعت في سبيل ذلك الكثير من الأنظمة والتدابير التي تحقق هذا الهدف. لذلك تبقى أيّ مخالفات في هذا الشأن ذات طابع فرديّ لا تعكس سياسة عامة. الأمر الثالث، هو أن المؤسسات التي لا تلتزم الأطر التي وضعتها الدولة لحماية حقوق العمال تسهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الإساءة إلى صورة الدولة على الساحة الدوليّة، وتخدم أهداف بعض القوى والهيئات التي تعمل على اتخاذ قضية العمالة مطيّة لمحاولة الضغط على الإمارات أو الإساءة إليها، وتصوير الأمور فيها على غير حقيقتها، ومن هنا فإنّ الحزم تجاه هذه المؤسسات هو الكفيل بدفعها إلى التزام سياسة الحكومة في الحفاظ على حقوق العمال، وتوفير الظروف المعيشيّة الملائمة لهم. وإذا كانت هناك بعض المؤسسات غير الملتزمة في ما يتعلّق بسياسة الدولة في القضية العمالية، فإن هناك العديد من المؤسسات التي تقوم بدور فاعل في تنفيذ هذه السياسة، ومن ثمّ تسهم في الحفاظ على صورة الإمارات في الخارج، وتكرّس أحد المفاهيم المهمّة، وهو أن مشاركة القطاع الخاص مع الحكومة تمثل ضرورة أساسية لتنفيذ أيّ سياسة، وهو الاتجاه الذي تعمل الدولة على دعمه وتشجيعه بقوة. ــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.