ما دور العوامل الإقليمية والدولية، والضغوط التي مارستها مختلف الهيئات العالمية، في وصول المرأة الكويتية إلى البرلمان؟ فقد وفقت د. المكيمي في دراستها "مجلة العلوم الاجتماعية م 38، ع 3، 2010" التي عرضنا جانباً منها، في إقناع القارئ بأن الجهد المتواصل الدؤوب الذي بذلته مختلف الفعاليات النسائية والرجالية المؤيدة لمنح المرأة الحقوق السياسية المنشودة، لعب دوراً أساسياً في تحقيق هذه النتيجة، رغم احتماء معارضي حقوق المرأة السياسية بالتيار الديني، الذي اشتد تأثيره بعد عام 1980. ثم تنتقل الباحثة إلى دراسة العوامل الإقليمية والدولية، فتقول إن العامل الخارجي قد أدى دوراً إيجابياً في الدفع إلى إقرار الحقوق السياسية للمرأة. غير أن تاريخ المطالبات بهذه الحقوق قد سبق المناشدات الدولية. وتقول د. المكيمي إن هذا التاريخ المليء بالمحاولات والاقتراحات والمشاريع القانونية، "يؤكد عدم صحة ادعاء البعض أن الضغوطات الدولية شكلت العامل الرئيسي لإقرار الحقوق السياسية للمرأة الكويتية، بل إن المطالبات النسائية ودور الحكومة والبرلمان أدى دوراً حاسماً في إقرار تلك الحقوق". تقف الباحثة، د. المكيمي عند العامل الثالث في إقرار حقوق المرأة وهو دور السلطة التشريعية والتيارات السياسية، وبخاصة موقف التيار الإسلامي. وقد بدأ هذا التيار بموقف متشدد استمر لسنوات. وتورد الباحثة أسماء فريق المؤيدين من التيار الديني لحقوق المرأة السياسية، ومنهم كما هو معروف الشيوخ محمد الغزالي ود. يوسف القرضاوي ومحمد سيد طنطاوي وغيرهم. ولكننا لا نجد بينهم أسماء أي من رجال الدين الكويتيين، حيث إن أبرزهم مرتبطون عادة بمناورات التيار الديني والإسلام السياسي. وفيما بدت وزارة الأوقاف أكثر تسامحاً إزاء مشاركة المرأة في السياسة، عبّر الوزير عبدالله المعتوق عن رأيه الشخصي المؤيد، وقفت جماعات التيار الديني والتيار القبلي ضدها، معتمدة، تقول الباحثة، "على حجة المانع الشرعي والعادات والتقاليد الاجتماعية". وتضيف، "وعلى الرغم من أن الأخوان المسلمين خارج الكويت يتبنون موقفاً مؤيداً لمشاركة المرأة السياسية، فإنه بسبب ثقل القبائل داخل تيار الأخوان المسلمين في الكويت وبفعل التنافس السياسي بين السلف والأخوان تبنى كل منهما موقفاً مناهضاً لمشاركة المرأة السياسية". وفيما أعلنت جماعتا الحركة السلفية والسلفية العلمية عام 1999 تحذيرهما الحكومة من "الانسياق وراء الدعوات لتحرير المرأة وإقحامها بما يعود بالمفسدة والضرر على مجتمعنا"، أبدى "حزب الأمة" - الذي يوصف عادة بأنه جبهة عريضة من المستقلين والمحافظين والإسلاميين- تأييده لمشاركة المرأة السياسية انتخاباً وترشيحاً، مما "أربك التيارات الدينية، وسارع في تهاوي حجة المانع الشرعي". وتلقى الأخوان المسلمون في الكويت نقداً متواصلاً من قبل أقرانهم في الدول العربية، بخاصة في مصر، بسبب موقفهم الرافض لمشاركة المرأة، بل تذمرت كذلك الناشطات الإسلاميات من موقف الحركة. وصرح أحد أبرز مفكري الحركة، الأستاذ اسماعيل الشطي بآرائه المؤيدة لحقوق المرأة السياسية منذ عام 1982، حينما كان رئيس تحرير مجلة "المجتمع"، وبعد إقرار الحقوق السياسية كتب مقالاً مهنئاً المرأة بحصولها على حقوقها السياسية، تحت عنوان "إنجاز تاريخي في مسيرة الديمقراطية الكويتية"، (الوطن 17مايو 2005) وعندما بدأت معركة إقرار الحقوق في عام 2005 تحركت الحركة الدستورية (الأخوان المسلمون) ضد الإحالة الدستورية، واعتبر النائب محمد البصيري هذه الإحالة مصادرة لرأي أعضاء مجلس الأمة. وتقول الباحثة إن تصريح النائب ضيف الله بورمية -أحد نواب الكتلة الإسلامية ذات الثقل القبلي- والذي وصف مشروع حقوق المرأة السياسية بأنه "وصمة عار على جبين المجلس" أثار ضجة إعلامية كبرى. وقد عقدت طوال فترة معركة إقرار الحقوق السياسية للمرأة عام 2005 ندوات مؤيدة ومعارضة في عدة أماكن. وأوصى رئيس مجلس الوزراء آنذاك رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي بتأكيد أن الشريعة لا تعارض الحقوق السياسية للمرأة، في الوقت الذي أقام فيه معارضو المشروع ندوتهم الثانية التي نظمها ثوابت الأمة تحت شعار "الرجال قوامون على النساء". ولا يعارض التيار السلفي حقوق المرأة السياسية بل يعارض حتى حقها في التوظيف والعمل! يقول المؤسس الفكري للتيار في الكويت "الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق" في رسالة منشورة بعنوان طويل "في الأحكام الخاصة بالمرأة"، صادرة عن "جمعية إحياء التراث الإسلامي" بالكويت، دون تاريخ، "الصحيح أن مزاحمة المرأة للرجل في العمل خارج المنزل كان وما زال من أسباب الركود الاقتصادي والبطالة، والمزيد من الاستهلاك الفارغ في أدوات التجميل والزينة واللباس، ثم إن كل امرأة تعمل خارج المنزل تتسبب غالباً في حرمان فرصة عمل لرجل". ويتجاهل عبدالخالق الحاجة الماسة إلى عمل المرأة لدعم دخل الأسرة في معظم أنحاء العالم العربي والإسلامي، وهناك كذلك حاجة دائمة للطبيبات والممرضات والموظفات والمدرسات والباحثات في الشؤون الاجتماعية والأمن لتفتيش النساء، ومجالات كثيرة أخرى. إن عمل المرأة خارج منزلها اليوم، كما هو واضح للجميع، من ضرورات الحياة وتقدم المجتمعات، وليس كما يدعي الإسلاميون بأنه "مؤامرة على المرأة المسلمة". ولو لم يبذل دعاة تحرير المرأة على امتداد أكثر من قرن تلك الجهود، لكان نساء التيار الإسلامي أنفسهن، وأكثر من غيرهن، في حيص بيص، لا يغادرن بيوتهن حتى للصلاة في المسجد! في القسم الأخير من الدراسة، تتناول الباحثة دور السلطة التنفيذية في إقرار الحقوق السياسية للمرأة، فتستعرض تطور موقف الحكومة ابتداء من عام 1973 حتى الجلسة التاريخية التي أُقرت فيها هذه الحقوق في جلسة 16 مايو 2005، عندما استطاعت الحكومة تمرير تعديلات المادة الأولى من قانون الانتخاب، حيث وافق المجلس على إقرار الحقوق السياسية الكاملة للمرأة في الترشح والانتخاب، اعتباراً من انتخابات 2007، بأغلبية 35 صوتاً ومعارضة 23 وامتناع واحد. وبذلك حققت الديمقراطية في الكويت إحدى انتصاراتها التاريخية. ولكن ماذا عن موقف الجماعات الإسلامية بعد إقرار هذه الحقوق، ودخول المرأة مجال الانتخابات؟ لم تتطرق الدراسة إلى مواقف الإسلاميين الشيعة إزاء منح هذه الحقوق للمرأة، فهم من المؤيدين لها عادة، أما عن "الأخوان" والسلف، فقد أصبحا بعد إقرار الحقوق- تقول د. المكيمي- في مواجهة مباشرة مع القواعد النسائية، التي أضحت رقماً مهماً ومؤثراً في سير العملية الانتخابية. وقد صرح الناطق الرسمي باسم الحركة الدستورية محمد العليم معلقاً على نتيجة التصويت بأن الحركة، "تحترم وتلتزم بما توصل إليه مجلس الأمة من تأييد هذه الحقوق، إلا أنها تعبر عن استيائها من استخدام الحكومة لوسائل ضغط بعيدة عن الممارسة الديمقراطية السليمة". أما الحركة السلفية، فقد تعرضت لاضطراب واضح، (فقد أصدرت بياناً مؤيداً للمرأة، إلا أنها سرعان ما أعلنت نفيها حول ما ورد في البيان، مؤكدة أنها ضد الحقوق إلا أنها تحترم وجهة النظر الأخرى، وأنها قضية اجتهادية شرعاً يسوغ فيها الخلاف. ولكن تصويت أحد قادة الحركة السلفية في البرلمان لصالح مشاركة المرأة السياسية زاد من انقسام الحركة، حيث رصدت الصحف أخبار عدد من استقالات قادة الحركة شملت كلاً من أمين عام الحركة وناطقها الرسمي وأمين سرها، ورئيس مكتبها الإعلامي "فهد الهيلم"، بسبب انشقاق موقف الحركة والظروف التي صاحبت إصدار البيان وسحبه). لم تؤثر مواقف الإسلاميين والقبليين المعارضين لحقوق المرأة كثيراً في مستقبل نوابهم، ولم يقدم التيار الديني من جانبه على أي نقد ذاتي أو مراجعة فكرية ولم يقدم أي اعتذار. ولم يتردد التيار، فور حلول موسم الانتخابات، عن دعوة نساء الكويت لاختيار نفس النواب والجماعات. وانتشرت المقار الانتخابية الإسلامية النسائية في كل مكان، وحصل هؤلاء النواب على نصيب وافر من الصوت النسائي.. وكان الله غفوراً رحيماً!