هناك دلائل واضحة على أن القطن قد عاد إلى عرشه مجدداً. فبعد مرور ما يقرب من عقد على الفترة التي بدأ فيها القطن الذي كان بمثابة" الذهب الأبيض" لكاليفورنيا يفقد ما كان يحيط به من بريق، عادت أسعار هذا المحصول للارتفاع مجدداً، وهو ما جعل المزارعين يأملون في تحقيق أرباح طائلة من خلال زيادة التصدير إلى الدول الأجنبية، خصوصاً بعدما اتجه العديد منهم إلى التحول لزراعة القطن عوضاً عن أنواع الزراعة الأخرى، وهو ما كان سبباً في اكتساء مناطق شاسعة من الولاية بحلة بيضاء ناصعة تمتد على مرمى البصر. وفي الوقت الراهن تهدر مكائن جمع القطن في الحقول، وتتراكم أكوام المحصول على جوانبها انتظاراً لنقلها إلى المحالج، ومن ثم إلى مصانع النسيج للتحول إلى ملابس داخلية أو إلى بشاكير من نوع"فيلدكريست" أو إلى قمصان"إل. إل. بين". وهذا الازدهار الذي تشهده زراعة القطن، وما يرتبط به من عمليات جمع، وحلج، وغزل، ونقل، وتصدير يزيد من احتمالات توفير فرص العمل لعشرات الآلاف من العمال المتعطلين في مختلف مدن الولاية. حول ذلك تقول "كيثي نيفس" مديرة أحد فروع مصانع "هورون" لحلج القطن التي قامت بتعيين عشرات العمال الجدد، وأعادت مكائنها للعمل مجدداً بعد فترة طويلة من التوقف:"إنه لأمر طيب للغاية أن نرى الأشياء وقد عادت مجدداً إلى ما كانت عليه". وعلى الرغم من أن معدلات إنتاج القطن الحالية في كاليفورنيا لا تقارن بما كانت عليه في عقد التسعينيات من القرن الماضي، فإن العديد من المزارعين قد زادوا من إنتاجهم، لاسيما في"وادي سان جواكان" المعروف تاريخياً، بأنه قلب صناعة القطن. فمن المتوقع أن تزداد مساحة الأراضي المزروعة قطناً لتصل إلى 309 آلاف فدان من صنف"بيما" الفاخر، ومن الأصناف الأخرى الفاخرة هذا العام مقارنة بـ 201 ألف فدان العام الماضي، وفقاً لإحصائيات وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة لوزارة الزراعة الأميركية. وهناك ازدهار مماثل يحدث في المناطق الجنوبية، والجنوبية الغربية من الولايات المتحدة وغير ذلك من المناطق. ويقول مسؤولو الوزارة إن المساحة المزروعة قطناً في الولايات المتحدة قد ارتفعت بنسبة 21 في المئة في المجمل هذا العام، لتصل إلى 11.04 مليون فدان، أما إنتاج محصول القطن ذاته، فقد ارتفع بنسبة 51 في المئة. وهناك دوافع عديدة تقف وراء الازدهار الحالي في زراعة وصناعة القطن في الولايات المتحدة الأميركية، منها نقص الكميات المنتجة من هذا المحصول في مناطق عديدة في العالم، بسبب سوء الأحوال الجوية، بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في الطلب على القطن في أسواق الاقتصادات الصاعدة وعلى وجه الخصوص الصين والهند. وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في الأسعار خلال فصلي الصيف والخريف، وخصوصا بعد تنبؤات وزارة الزراعة بأن مخزون الصين من القطن قد انخفض إلى أدنى مستوياته على الإطلاق. وقام المستثمرون والمضاربون في أسواق السلع الذي يمر بفترة من الارتفاع في الوقت الراهن بزيادة استثماراتهم وتعاملاتهم في القطن كوسيلة للتحوط من آثار التضخم، ومن التآكل المستمر في قيمة الدولار وغيره من العملات. ويعد هذا تحولًا كبيرا مقارنة بحالة الركود العميق التي كانت سائدة في قطاع القطن منذ عامين فقط، وذلك عندما خفَّض الكثير من الناس -بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية - من استهلاكهم من السلع الفاخرة. وقد أدى هذا إلى إلحاق أضرار بالغة بمزارعي كاليفورنيا بالذات الذين ينتجون 90 في المئة من نوع القطن المعروف باسم"بيما" المستخدم في صناعة الملابس الفاخرة غالية الثمن. ويرى"شارون سي.جونسون" المحلل المتخصص في شؤون القطن في مؤسسة"بنسون فيوتشرز" وهي شركة للسمسرة في مجال الأقطان تقع في شيكاغو:" إن بندول أسعار القطن يميل للتأرجح عادة، ولكنني لم أر من قبل تأرجحاً بهذا الشكل". وأضاف جونسون: "لست أتوقع أن هذا الوضع سيتغير خلال الفترة القادمة. بل ما أتوقعه هو أن يستمر الاتجاه الصعودي لمدة عامين على الأقل حتى يستطيع الإنتاج أن يتوافق مع الزيادة في الطلب وحتى يعود المخزون العالمي من القطن، وتعود الأسعار بالتالي إلى المستوى العادي". ويقول المزارعون إن أثر هذا الازدهار لم يقتصر على النطاق الاقتصادي، وإنما كانت له آثار أخرى اجتماعية وثقافية منها أنه أعاد إلى الحياة جزءاً عزيزاً من تراث المنطقة. من المعروف أن زراعة القطن قد انتشرت في كاليفورنيا منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وذلك عندما قامت موجات من المزارعين الطامحين للثراء وبعض الأشقياء من سكان الولاية، بوضع بذور ثقافة زراعة القطن في الجنوب، والتي كانت تشتمل على إقامة العديد من الاحتفالات والمهرجانات. يشرح "لاري هانشو" عمدة مدينة "كوركوران" المشهورة بزراعة القطن ذلك بقوله"هناك مشاعر متفائلة وإيجابية تسود أجواء المدينة في الوقت الراهن والسؤال الذي يشغل بالي حالياً هو إلى متى يستمر ذلك؟". ولكن ازدهار القطن وارتفاع أسعاره لا يمثل أخباراً سارة للجميع حيث من المتوقع أن تؤدي ارتفاع أسعار الأنواع الفاخرة من القطن إلى ارتفاع تكلفة الملابس القطنية، خصوصا القمصان والملابس الداخلية والجوارب. ويقول مستوردو هذه السلع من الصين، إن ذلك يعني أنهم سيضطرون إلى دفع زيادة تقدر بـ 20 في المئة على الأقل للموردين الصينيين، وذلك قد يؤثر على أرباحهم الحالية، بل وقد يؤدي إلى تكبدهم خسائر كبيرة، لأن العديد من المستهلكين لن يقبل بأن يدفع زيادة تقدر بثلاثة دولارات تقريباً على كل قميص جديد يشتريه. بي.جي.هوفستاتر كاتب أميركي متخصص في الشؤون الزراعية ينشر بترتيب خاص مع خدمة" إم.سي.تي إنترناشيونال"