يعتبر تطور الدول الوطنية، أياً كان شكل النظام السياسي السائد فيها، جزءا من التاريخ، مثلما هو حال تطور أية ظاهرة سياسية أخرى. وفي هذه الحقبة التي نعيشها، أصبح الإقناع قوة مؤثرة في المحافظة على بقاء النظم الشمولية. كذلك فإن الجدل حول طبيعة هذه النظم يقع في مركز اهتمام كافة دول العالم التي لها مصالح مباشرة أو غير مباشرة في بقاء تلك النظم في السلطة، كل من الزاوية التي يعتقد بأنها تحقق مصالحه في نهاية المطاف. وأدى انتشار هذه النظم في دول العالم النامي إلى بروز تحديات أمام النظرة التاريخية المشوبة بالتفاؤل والقائمة على صورة ذهنية قطعية بأن التطور المادي يجلب معه التقدم السياسي. النظرة الضيقة التي تركز على صراع الحضارات كما أوردها هنتنجتون يجب أن يعاد النظر فيها بحيث تتم إعادة التركيز لفهم ظاهرة سياسية تسمى بالعالم النامي. والواقع هو أنه من المستحيل الدفاع عن مصالح الدول لدى بعضها بعضاً، دون وجود فهم من هذا القبيل. والنقاشات الموجودة حالياً في أوساط الباحثين في شؤون نظم دول العالم النامي السياسية لم تأت من فراغ، بل يوجد تأثير عليها من قبل التحليل السياسي، الذي أجرى للنظم السياسية الغربية، التي سادت في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية في دول كألمانيا وإيطاليا وروسيا وهي في قمة غلوها وسيطرتها. هذا التأثير يجب أن يتم تجديده وإعادة تصحيحه، فهذه النماذج تنطبق بشكل غير مثالي على عدد محدود فقط من نظم دول العالم النامي. كباحث في النظم السياسية المقارنة، ينصب اهتمامي على الترابط بين نظم الاعتقاد، والبراجماتية العملية، وعملية صنع السياسات، والسياسة الخارجية. ويبدو لي بأن مسارات التاريخ الوطني والثقافات السياسية المختلفة تنتج نظمها المنطقية الداخلية التي تبدو للآخرين بأنها المضاد الحقيقي للواقع، لكن ربما أنها تعمل جيداً في صالح أولئك الذين يعرفون كيف يستخدمونها بذكاء وحكمة. وعند مناقشة مواضيع حساسة تهم نظم دول العالم النامي كالقمع والفساد، نحن نحاول أن نفهم ما الذي له فائدة ويمكن استخدامه، وما الذي ليس له فائدة ويتم الاستغناء عنه من وجهة النظر الحكومية. وأيضاً نحن نريد اكتشاف إلى أي مدى يمكن لعدم المشاركة السياسية أن تكون حتمية في أقطار بعينها في هذه المرحلة. ولماذا يحدث ذلك؟ وعليه فإن التركيز يجب أن ينصب على دراسة النخب السياسية التي تحكم معظم دول العالم النامي. وهنا فإن المحاولات يجب أن تنصب على شرح كيف أن سيطرة النخب السياسية أصبح الصيغة السائدة لأشكال نظم الحكم، وكيف تستلم تلك النخب السلطة وتستمر فيها أو يتم تغييرها، وكيف يمكن لها أن تشكل تحديات أمام النظم السياسية السائدة في دول العالم الأخرى. وبالتأكيد أن هدفنا من مناقشة مثل هذه المواضيع ذو شقين، فنحن من جانب نهدف إلى الكتابة لصناع القرار في دول العالم النامي الضالعين في الشؤون المعاصرة بقصد تعميم المعرفة السياسية، ومن جانب آخر نحن نكتب للعامة المهتمة بفهم عالم مضطرب يؤثر على حياتهم وربما يهددها. ولكي تكون كتابتنا ذات فائدة، فإنها تعمل على أن توصل أفكارا مستمدة من دراسة لصيقة بالبشر والبنى والأحداث التي تتواجد في العالم الواقعي.