مع استعداد "الجمهوريين" في الوقت الراهن للسيطرة على مجلس النواب، يكون أوباما قد وصل إلى نهاية فترة من الإصلاحات التقدمية في ولايته الرئاسية. وأعتقد أن الوقت قد حان الآن للسؤال: ما هو قدر منجزه بالضبط عند مقارنته بأسلافه "الديمقراطيين" الذين أتيحت لهم فرص شبيهة. باستخدام المعايير نفسها التي استخدمت في تقييم أسلاف أوباما "الديمقراطيين" في القرن العشرين، يمكننا القول إن إنجازات أوباما وإن كانت كبيرة، إلا أنها أضيق نطاقاً. فقانون إصلاح الرعاية الصحية على سبيل المثال، وإن كان حدثاً تاريخيّاً، إلا أنه لا يقارن مع ذلك ببرنامجي الإصلاح الاجتماعي والصحي اللذين صاغهما الرئيسان فرانكلين روزفلت وليندون جونسون لأنه لا يقدم تغطية شاملة لكافة النفقات العلاجية، وهو ما يرجع إلى حقيقة أن أوباما لم يحصل في الكونجرس على عدد الأصوات اللازمة لجعله كذلك. كما أن قانون إدارة أوباما المعروف باسم قانون "دود- فرانك لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك" إن كان قد حد من قدرة "وول ستريت" على تغذية الاقتصاد، إلا أنه حقق أثراً أقل كثيراً من قانون من قوانين الثلاثينيات كان الهدف منه تقييد حجم وسلوك البنوك الكبيرة. فعلى النقيض من روزفلت، وجونسون، لم يتمكن أوباما من إقناع الجمهور بأن مشروعه التاريخي هذا سيجعل الحياة الاقتصادية أقل خطورة -ولم يكن ذلك بالخطأ اليسير بالطبع. بيد أنه عندما يقارن أوباما بسجل رئيسين "ديمقراطيين" عظيمين آخرين أحدث عهداً هما كارتر، وكلينتون، فإن سجله سيتفوق لاشك على سجلهما. ويرجع ذلك إلى أن الاثنين كانت لديهما أغلبية أكبر في الكونجرس من أغلبية أوباما خلال العامين الأوليين من ولايتهما (ولاية واحدة لكارتر، وولايتان لكلينتون)، ومع ذلك لم يساهما سوى بقدر ضئيل في تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية (وربما يقتضي واجب الإنصاف لهما القول مع ذلك إن معظم أعضاء الكونجرس في عهدهما كانوا محافظين من الولايات الجنوبية... كما أن واجب الإنصاف لأوباما يقتضي أيضاً القول إنه على عكس ما حدث معهما، كان الأمر يتطلب منه التغلب على خصومه الذين كانوا يحاولون تعطيل كل مشروع قرار يتقدم به تقريباً). وعلى النقيض من روزفلت وجونسون، فإن آخر ثلاثة رؤساء "ديمقراطيين" في الولايات المتحدة كانوا يفتقرون إلى حرارة الشارع اليساري. وما يميز أوباما، ونانسي بيلوسي، وهاري ريد، هو أن الثلاثة قد دفعوا بالكثير من مشروعات القوانين، على رغم الافتقار إلى العدد الكافي من المطالبين بإجراء تغييرات تقدمية. ومن ضمن المعارك التي خسرها "الديمقراطيون"، يبرز قانون الهجرة وقانون العمل باعتبارهما من ضمن الفرص السياسية الضائعة الهائلة في مسيرة الإدارة الحالية. فمشروعا القانونين في حالة تمريرهما، كانا كفيلين بعلاج نواحي عدم المساواة التي اشتهر "الديمقراطيون" تاريخيّاً بأنهم الحزب الأقدر على معالجتها. فإصلاح قانون الهجرة، كان كفيلا بإتاحة الفرصة لملايين المهاجرين المقيمين في أميركا للمطالبة بحقوقهم الإنسانية الأساسية، كما أن مشروع قانون العمل كان كفيلا هو أيضاً في حالة تمريره بزيادة دخول الأميركيين التي ظلت مقيدة لفترة طويلة من الزمن، وذلك من خلال السماح لموظفي القطاع الخاص بالانضمام للنقابات دون أن يخشوا الفصل. وكان المشروعان كفيلين بزيادة حجم الناخبين "الديمقراطيين" وبالتالي زيادة احتمالات تحقيق المزيد من الإصلاحات. فأعضاء النقابات كما هو معروف عادة ما يصوتون لصالح "الديمقراطيين" بنسب تفوق كثيراً نظراءهم غير النقابيين. كما أن اللاتين والآسيويين الذين كانوا سيحصلون على الجنسية الأميركية بموجب قانون الهجرة، كانوا سيصوتون حتماً لصالح "الديمقراطيين" في أية انتخابات مما يزيد بالتالي من الشعبية التي يتمتع بها الحزب "الديمقراطي" بالفعل في أوساط الملونين. وليس هناك ما يدعو للدهشة إذن إذا عرفنا، بناء على ما تقدم، أن كل "جمهوري" تقريباً قد عارض مشروعي القانونين الأخيرين، وأن كل "ديمقراطي" تقريباً قد أيدهما. ولكن هناك ما يدعو للدهشة بالتأكيد عندما نعرف أن هناك حفنة من أعضاء مجلس الشيوخ "الديمقراطيين" قد عارضوا مشروعي قانون إصلاح الهجرة، وإصلاح العمل، ومنهم على سبيل المثال السيناتور "بن نيلسون" عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نبراسكا، الذي رفض الموافقة على المشروعين على رغم أنهما كانا يعبران عن مبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية التي يتميز الحزب "الديمقراطي" تاريخيّاً بالدعوة إليها. أما المعركة التي لم ينخرط فيها "الديمقراطيون" بشكل كافٍ خلال العامين الأولين من إدارة أوباما فهي تلك الخاصة بإعادة الاقتصاد إلى حالته. والفشل الذي منى به "الديمقراطيون" في ذلك هو فشل فكري في المقام الأول. فالرئيس ومستشاروه الاقتصاديون لم يدركوا أن الركود الذي دمر الكثير من الثروات، في اقتصاد يتوقف فيه استمرار شركاته واستقرارها على التوسع الخارجي وليس على التوسع الداخلي فحسب، كان بحاجة إلى سياسات تجارية وصناعية مختلفة عن تلك التي تبناها "الديمقراطيون"، كما كان يحتاج إلى قدر أكبر من الحوافز لتغيير مساره إلى النقيض أي من الركود إلى الانتعاش. على رغم ذلك ينبغي أن ينسب لأوباما الفضل في أنه قد حال دون حدوث المزيد من التدهور في الاقتصاد من المعارضة "الجمهورية" القوية والموحدة التي كانت تواجهها كافة سياساته. مع كل الانتصارات التي حققها أوباما، فإن سمعة رئاسته سترتفع أو تنخفض اعتماداً على نجاحه أو عدم نجاحه في إعادة بناء الاقتصاد. وفي العامين المقبلين، سيكون أوباما مضطراً إلى التركيز على الإصلاحات الداخلية وعلى السياسة الصناعية، وهما سياستان مجربتان يعود تاريخ الاستعانة بهما إلى القرن التاسع عشر سواء من قبل "الجمهوريين" أو "الديمقراطيين". وليس هناك من نموذج يمكن للرؤساء "الديمقراطيين" الاقتداء به، بعد أن تنغلق أمامهم سبل الإصلاح أفضل من الرئيس أبراهام لينكولن "جمهوري" إذ لم يكن فقط محرراً للعبيد، وإنما كان كذلك مدافعاً عن تطوير البنية الأساسية، والرسوم الجمركية، والضرائب، والمساعدات الحكومية للصناعات، وبالتالي فإن الاقتداء به سيكون أمراً مرحباً به وإيجابيّاً. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"