في السنوات الأخيرة، صدرت العديد من الكتب التي تكشف تفاصيل التمدد الجديد للكرملين خلال رئاسة بوتين، والتي يقول المؤلفان "اندري سولداتوف" و"إيرينا بوروجان" المراسلان الصحفيان ومؤلفا الكتاب الذي نعرضه هنا وعنوانه "النبلاء الجدد... استعادة الدولة الأمنية في روسيا والإرث المتبقي لـ(كي. جي. بي)" إنهما قد قرءا معظمها بيد أنهما لا يتفقان مع الصورة التي يحاول أولئك المؤلفون رسمها لروسيا وهي أنها دولة عملاقة تسعى إلى استعادة أمجاد الدولة السوفييتية كقوة عظمى وأن ذلك يضعها حتما على طريق المواجهة مع الغرب. فروسيا في رأيهما أبعد ما تكون عن العظمة إلا إذا ما كانت من ناحية الحجم أو المساحة وأنها أقرب ما تكون إلى صورة الدولة الفوضوية التي تتداخل فيها الحدود بين السلطات الثلاث، بل وتختفي في أحيان كثيرة. والمؤلفان لا يطلقان الأحكام من دون دليل بل بناء على بحث منهجي موسع يخلصان من خلاله إلى أن ضباط جهاز الـ"كي. جي. بي" السابقين من المستويات العليا والمتوسطة هم الذين باتوا يقبضون على مقاليد الأمور في روسيا حالياً، رغم حل ذلك الجهاز الرهيب مع تداعي الدولة السوفييتية وإنشاء جهاز بديل يسمى "جهاز خدمات الأمن الفيدرالية" (إف. أس. بي). يقول المؤلفان إن "إف. سي. بي" لا يحمل شبها كبيرا مع الـ"كي. جي. بي" ولا مع أي من أجهزة الاستخبارات الغربية، وإنما هو أقرب ما يكون إلى أجهزة المخابرات الموجودة في دول العالم الثالث، والمخصصة لضمان أمن الأنظمة الحاكمة في المقام الأول، وهي نمط من الأجهزة غير المسؤولة أمام البرلمان ولا الحكومة أو أي جهاز رقابي من أي نوع، وإنما مسؤولة فقط أمام من يقبضون على زمام السلطة. وهي أجهزة عادة ما تكون غير قابلة للاختراق رغم فسادها، كما لا تتردد في استخدام الأساليب الوحشية لحماية الأنظمة. ويشرح المؤلفان كيف تمكن ضباط "إف. أس. بي" على نحو منهجي من السيطرة على مفاصل الدولة، ويكشفان عن تفاصيل ثقافة الرعب التي نشروها في أرجاء البلاد، كما يحللان تحليلا دقيقا الآليات التي يعمل بها الجهاز، وما يستطيع فعله بمعارضيه. وهما يستفيدان في ذلك الشرح من معرفتهما الوثيقة بالعديد من معارضي النظام ممن تعرضوا للقمع بل وللتصفية الجسدية أحياناً على أيدي "إف. إس. بي"؛ ومن أبرزهم "آنا بوليتكوفسكايا" صحفية التحقيقات التي اغتيلت على أيدي عملاء الجهاز عام 2006 ولم يُكشف النقاب عن لغز اغتيالها حتى الآن. ومما يحسب للمؤلفان أنهما حرصا وهما يكشفان عن بعض أسرار الجهاز وآليات عمله، على التزام الموضوعية إلى حد كبير، ولم ينساقا لنظريات المؤامرة التي لجأ إليها غيرهما من المؤلفين الغربيين الذين كتبوا عن الشأن الروسي ولا لترديد إشاعات غير موثوق من صحتها ولا يمكن التحقق منها مثل إشاعة أن "إف. إس. بي" هو الذي دبر مذبحة موسكو عند تفجير أربع بنايات سكنية عام 1999 مما اسفر عن مصرع 200 شخص، وذلك لتبرير إقدامه على غزو الشيشان بدعوى أن الثوار الشيشانيين نفذوا تلك المذبحة احتجاجا على المعاملة الوحشية التي يلقاها سكان الجمهورية المطالبين بالحكم الذاتي على أيدي قوات الأمن والجيش الروسي. والتحليل الذي يقدمانه بشأن الطريقة التي تمكن بها بوتين بعد توليه سدة الرئاسة عام 2000 من تعزيز نفوذ "إف. إس. بي" من خلال تجنيد العديد من عملاء "كي. جي. بي" السابقين وذلك بعد أن كان الضعف قد بدأ يدب في الجهاز الجديد بسبب عشوائية تنظيمه وقصور إمكانياته مقارنة بـ"كي. جي. بي". ويذكران في هذا الجزء أن الجهاز الجديد حاول التغطية على ضعفه من خلال تشديد قبضته القمعية واعتقال الناس بدون دليل أو بتهم مثل إجراء اتصالات مع الأجانب، ولجوء عملائه لتلفيق التهم في حالة عدم وجود أدلة، بل وإقدامهم أحياناً على تهديد القضاة لإجبارهم على إصدار أحكام بالإدانة على أبرياء. ورغم الانتهاكات العديدة التي ارتكبها الجهاز، والمظالم الكثيرة التي الحقها بالشيشان وأنجوشيا خاصة والتي أثارت ردود فعل انتقامية منها مذبحة مدرسة بيسلان التي أوقعت 336 قتيلا، والتي كان من الممكن تجنبها لو لم يتعنت الجهاز في التعامل مع مجموعة من الوسطاء كانوا كفيلين بإنهاء الموضوع سلمياً، فإن ذلك لم يكن كافياً لتوقف هذا الجهاز عن ممارساته ولا عن محاولاته استكمال السيطرة على كافة مرافق الدولة وهو ما أحاطه بقدر كبير من سوء السمعة وفقدان المصداقية خصوصا أن ذلك القمع وتلك الانتهاكات لم تؤد في نهاية المطاف لضمان أمن البلاد وأمن المواطن وهو ما كان يحسب للجهاز القديم رغم كل ما قيل عنه. سعيد كامل الكتاب: النبلاء الجدد... استعادة الدولة الأمنية في روسيا والإرث المتبقي لـ"كي. جي. بي" المؤلفان: اندري سولداتوف/إيرينا بوروجان الناشر: بابليك أفيرز تاريخ النشر: 2010