كنت قبل أيام في مصر، عايشت حرارة السياسة حيث الأجواء باردة، لكن السياسة ساخنة. ولعل بعض ما تداوله البعض يكشف لنا عن حرارة السياسة، ليس في مصر فقط وإنما في بلادنا العربية عامة، لاسيما بعد فوز قطر باستضافة مونديال 2022، ما زاد من قناعتي بأن السياسة عندما تعضد بالمال النفطي تفعل المستحيل. وكنا نتمنى أن المستحيل الفلسطيني يوضع في قمة السياسة الساخنة، لكن القرار ليس قرارنا نحن البسطاء، وربما كشف لنا ويكيليكس خفايا السياسة المعلنة، ومنها ننطلق ونقول لأنفسنا: لو تخيلنا حلاً للقضية الفلسطينية، فماذا يبقى للساسة؟ وهذا سؤال ندسه لقرائنا وهم يفهمون مقصده! تقول صحيفة "الأهالي" المصرية في عددها ليوم 8 ديسمبر إن أمين تنظيم "الحزب الوطني" الحاكم قام بكتابة كلمة "الديمقراطية" على ذراعه بالوشم، وعندما سئل عن السبب، قال: "حتى تبقى دائماً ضمن أولوياتنا في الحزب"، فبادره صحفي سائلاً: طيب، لو تحققت الديمقراطية؟ فقال أمين التنظيم بسرعة: أقطع ذراعي. هذه مجرد نكته تداولها الشباب في "الفيس بوك" خلال فترة الانتخابات. النكتة المصرية تحمل معاني سياسية، ولها دورها في تخفيف حدة الاحتقان. وحين مازحت سائق التاكسي بقولي: هل أديت واجبك الوطني وانتخبت؟ رد بسرعة: هو انتو بتوع بره كمان "وطني"... ففهمت مقصده، فقلت: أنا حريص على أن يؤدي المواطن مسؤوليته الوطنية، فضحك قائلاً: لا، أنا ولا حد أعرفه عنده بطاقة انتخابية، فتذكرت رواية التاكسي، وقلت كم كانت ممتعة وهي تروي حكايات التاكسي حيث نتعلم من السائقين الكثير الكثير! لكن القانون لن يمنع التاكسي في شوارع القاهرة، وربما هي حقيقة من حقائق الواقع تنطبق علينا في الكويت حيث الديوانية باتت مقلقة، لكن لن تقلق بحكم الموروث الاجتماعي. والجميل أن السخونة السياسية لم تمنع الاحتفالات، فقد كان هناك مهرجان السينما، سبقه مهرجان سينمائي عالمي آخر في مدينة أبوظبي. كثير من الأمور تندرج تحت لعبة السياسة، فالتطبيع السياسي قائم، لكن ويكليكيس خرب علينا ببعض خيوط اللعبة. وبالرغم من الهم والغم العربيين، ونحن نقترب من أعياد الميلاد، أفرحتني شجرة الميلاد في فندق قصر الإمارات، والتي قيل إنها كلفت ما يقارب 12 مليون دولار. والفرحة أكثر بأن الأحجار الكريمة والثمينة من الألماس التي رصعت بها الشجرة، كانت من المتبرعين من تجار الذهب والمجوهرات، فهنا قلت لنفسي: لماذا نلوم الحكومات، فلدينا أناس يقربون جسور التفاهم بيننا وبين المسيحيين وهم يقومون بواجب التواصل الثقافي الذي تحاول بعض حكوماتنا فعله على حياء خوفاً من تجار السياسة الذين غيبوا شعوبنا لعقود طويلة منتهزين حالات الانهزام النفسي التي سيطرت على عقولنا ومن ثم تحولنا إلى لعبة السياسة للتنفيس عن همومنا، وربما تحول التنفيس ذاته إلى أداة حكومية تتبعها بعض دولنا تاركة الناس يتكلمون ما وسعهم الكلام، لأن الحكومات لم تعد تخاف الكلام بل عرفت سر اللعبة وأدركت حقيقة أننا شعوب الحناجر، نملك أصواتاً رنانة تحمس الجماهير، لكنها في النهاية لا تهش ولا تنش كما يقولون! واستكمالاً للنكتة حول انبراء بعض الفنانين لمناهضة التطبيع... فكم هي جميلة السياسة عندما يحملها المثقفون والفنانون العرب ويدغدغون بها مشاعر العامة، وليكن الله في عوننا جميعاً.