في نظر اليمين الإسرائيلي يُعتبر من يهتّم بالأحزاب المتزمتة دينيّاً "تلميذاً" مجتهداً وخاصة إذا كان مثابراً على حضور العِظات الأسبوعيّة التي تُقام يوم السبت ويترأسها الحاخام عوفاديا يوسف، وهو رجل دين يهودي شديد التطرف وُلد في العراق. ويغدق هذا المتشدد السفارديمي (اليهودي الشرقي) من على المنابر على مستمعيه المتشددين دفقاً خطابيّاً من ثقافة التطرف، وغالباً ما يذيع معلومات ويطلق تصريحات نافرة نادراً ما تخيّب آمال المتطرفين. ومنذ أشهر عدّة، أرضى غرور حضوره اليميني الديني بحديثه الصاخب الذي ألقى فيه اللعنات على الفلسطينيين العرب وقادتهم، متمنيّاً أن يصيبهم وباء يكسحهم كسحاً تاماً من على وجه الأرض. وفي شهر سابق، أعلن أنّ غير اليهود وُجدوا لتقديم الخدمات الوضيعة لليهود فحسب! وبعدئذٍ، نوّه إلى أنّ دورهم العجيب هذا قد وصل أيضاً إلى نهايته. وبعد أسابيع معدودة من العِظة، قيل إنه اضطر إلى سحب الكلمات العنصرية الكريهة التي تلفّظ بها وذلك بعد موجة هائلة من الاحتجاجات. أمّا بالنسبة للعظة الثانية فما زالت، على حدّ علمي، قائمة ولم يصدر أي اعتذار عنها. ولكن لماذا علينا، بحقّ السماء، إعطاء أهميّة لتُرّهات ذلك الشخص الغارق في ظلام القرون الوسطى الذي يطعّم كلامه عن غير اليهود في فلسطين مطلقاً عليهم أوصاف كراهية مثل "الأفاعي" و"المخلوقات الأقلّ شأناً" وما شابه ذلك من إسفاف رخيص؟ في نظري أن من بين الأسباب التي تدفعنا إلى ذلك أنّه عمليّاً يعتبر القائد الروحيّ لحزب "شاس"، وعضواً مؤثراً في تحالف حكومة نتنياهو. كما يحمل عضوا الحزب: وزير الداخلية إيلي يشاي، ووزير البناء والإسكان أريل أتيّاس، محفظتين أساسيّتين في التشكيل الحاكم. وقد دغدغ الوزير "يشاي" بخطاب شعبوي فج مشاعر يهود الشتات بقوله إنّ اليهود المهتدين من خلال التوجّه الأرثوذكسي هم وحدهم من يحملون فعلًا "الجينات اليهوديّة". كما دعم زعيم آخر من حزبه يدعى عطية تطبيق سياسة العزل ضد المواطنين العرب في إسرائيل. وأيد علناً عزل اليهود الأرثوذكس عن جيرانهم المدنيين، منوّهاً إلى أنّه لا يرغب أبداً في أن يخالط أولاده نظراءهم غير الدينيّين. ومن المعروف أنّ وزارة "يشاي" أصدرت قرارات جديدة بشأن الإسكان ما وراء الخط الأخضر وفي الأراضي المتنازع عليها. وفي بعض الأحيان، ادعى نتنياهو نفسه أنّه تفاجأ بتلك القرارات. وفي هذه الأجواء جاء الانزعاج الذي شعر به نائب الرئيس الأميركي عندما تمّ في وقت سابق من هذه السنة الإعلان عن بناء مستوطنات جديدة وذلك خلال زيارته المهمة لإسرائيل. وبشكل مماثل أستثيرت، مؤخراً حفيظة أوباما ووزيرة خارجيته حين تمّ تنظيم حملة استيطان جديدة خلال زيارة أوباما لآسيا ونتنياهو للولايات المتحدة. على أن قائمة المتشددين تشمل أيضاً أفيجدور ليبرمان المنوط به العمل الدبلوماسي حيث لا يسكن في البلد الذي يترأس فيه وزارة الخارجيّة؛ وإنّما يفضل السكن في الضفة الغربيّة في مستوطنة "نوكديم"، التي يعيش فيها أقلّ من ألف نسمة. ويترأس حزب، "إسرائيل بيتنا"، الذي يزعم أنه حزب قومي غير دينيّ. وفي ماراثون المنافسة بينه وبين الحاخام عوفاديا يوسف، المذكور أعلاه، حول الخطابة العنصرية والإسفاف الفارغ المناهض للعرب، لا نعلم من سيكون الرابح، في النهاية. وفي المقابل، قرأنا كثيراً عن حوافز تجميد الاستيطان بهدف إغراء نتنياهو بـ"مجموعة من الحوافز الأمنيّة والمقاتلات بالغة التطور" وبوعد من حكومة الولايات المتحدة باستعمال حق النقض "الفيتو" لمواجهة الفلسطينيين عند إعطاء أي اقتراح معاكس في الأمم المتحدة. وفي وقت كان فيه نتنياهو يُعيد النظر في ذلك العرض، يبدو أنه لم يكن واثقاً من قرار حكومته: "هل ستوافق على صفقة الولايات المتحدة أم لا". وبكلمات أخرى فقد كان في انتظار رأي الحاخام يوسف والوزراء يشاي وعطيّة وليبرمان الذين يمتلكون كثيراً من أوراق الضغط عليه ضمن ائتلافه اليميني المحافظ. ولكن يا لإهانة أميركا بالفعل. فبغضّ النظر عن رأي هذه المجموعة من المهرّجين والسفّاحين والعنصريين في ما يخصّ عرض أوباما-كلينتون هذا، فقد كان من المفترض أصلاً الإسراع بسحب العرض من على الطاولة دون تأخير. أما صلابة منطق وجوب وقف الاستيطان فلا تحتاج أبداً إلى أدلة. فلتأمين جوّ ملائم للمحادثات وفق مقتضيات حل الدولتين، ولكي تكون نتائج هذه المحادثات واقعيّة إلى حدّ ما، يُعتبر وجود أرض تُبنى عليها الدولة الثانية ضروريّاً، بحيث يمكن للشعب الآخر في فلسطين أن يحكم نفسه بنفسه. ولذا تهدف الأحزاب الإسرائيليّة المتطرّفة الثيوقراطيّة والشوفينيّة المتعصّبة إلى ضمّ مساحات كافية من الأراضي لإجهاض هذا الحل وجعله غير ممكن عمليّاً، أو طرد الشعب غير المرغوب فيه أو قمعه. وفي الواقع ما أسهل فهم سياسة نتنياهو: تضييع الوقت بطلب إجراء تنازلات على أمر تمّ الاتفاق عليه من الأساس، وتهدئة المتطرّفين المعيّنين في حكومته، وانتظار الفرصة للوم الفلسطينيين على ردّ فعلهم لتحميلهم مسؤولية إخفاق العملية السلمية المحتوم. لكنّ اللغز الوحيد هو: لماذا ترضخ الولايات المتحدة ببؤس لتلقي تلك الإهانات على يد دولة "واقعيّة" كهذه؟ الحال أن رأي الحاخام المتعصب يوسف المزدري لغير اليهود عموماً إنما يعكس المبدأ التقليدي المعروف بـ"الشبث غوي" shabbas goy: غير اليهود الذين يُدفع لهم رسم ضئيل مقابل إطفاء الأنوار أو إيقاد الموقد أو القيام بأي عمل آخر لازم يدور حول الأنظمة المزعجة المرتبطة بحفظ السبت. فكيف يمكن للصقر أن يضحك على نحو متقطّع عند رؤية غير اليهود تتم رشوتهم ليقوموا بعمل وضيع؟! ولَكمْ هي حقارة أن نتورّط نحن في خرق القوانين الدوليّة وانتهاك قرارات الأمم المتحدة والنكوث بالوعود المرتبطة بالانتخابات، فضلًا عن سلب حقوق شعب وإبعاده؛ علماً بأننا أعطيناه كلمتنا سلفاً. ولكن لابدّ أن تتم ملاحظة هذا الضعف المرتبط بالجبن في مكان آخر، ومن قبل أشخاص غير مرغوب فيهم، وعلى الأرجح سنُجبر على الندم على فعلتنا هذه. وحتّى في يومنا هذا، نقولها صريحة: يا له من عار! ------- كريستوفر هيتشنز كاتب عمود في مجلّة State magazine ------- ينشر ترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"