المحيطات مستودع الحرارة العالمية، وواحد من أكبر خزانين اثنين لثاني أكسيد الكربون في العالم. وإذا ما اتفقنا أن البشر يقومون باحتجاز الحرارة وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، وهو ما تم إثباته من خلال 53 مهمة رصد دقيقة، قام بها معهد "سكريبس" وغيره من المعاهد البحثية المتخصصة، فذلك كله يجب أن يكون سبباً يدعونا لوضع المحيطات في بؤرة اهتمامنا في الوقت الراهن الذي نعاني فيه تغيرات خطيرة في المناخ. لكن ذلك للأسف الشديد لا يحدث. وإذا نظرنا إلى مؤتمر المناخ الأخير الذي عقد في مدينة"كانكون" المكسيكية، فسنجد أن محاضر المفاوضات التي أجريت فيه لم تتضمن سوى إشارة عابرة للمحيطات، وهي إشارة جاءت وسط عديد من الملاحظات الهامشية، مما جعلها غير ملحوظة لحد كبير. إدماننا الشديد على الفحم المحترق، والنفط، والغاز الطبيعي، يؤدي لإحداث تغيير كبير ليس فقط على تكوين الغلاف الجوي، ولكن على تكوين المحيطات كذلك، وهو ما لا ينتبه إليه الكثيرون. ومن المعروف علمياً أن ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق مصادر الطاقة المذكورة، والذي يتم ضخه في الجو، يذوب في المحيطات في نهاية المطاف، وهو ما يؤدي إلى زيادة حموضة المحيطات أو تحمض المحيطات وبالانجليزية Ocean acidification. وتشير التقديرات إلى أن المحيطات قد امتصت 30 في المئة من ثاني أكسيد الكربون الذي انتجه البشر منذ بدء الخليقة، ولا زالت تمتص المزيد منه كل عام. وهذا النوع من" التغذية القسرية" للمحيطات ـ إذا ما جاز القول - غيرت كيمياء المحيطات، فكلما ازدادت كمية الكربون الذي تمتصه المحيطات، كلما زادت كمية أيونات كربونات الهيدروجين الذائبة، وأيونات الهيدروجين، وبالتالي زيادة نسبة الحموضة. ويتوقع العلماء أنه بنهاية القرن الحالي، ستتضاعف معدلات الحموضة مقارنة بالمعدلات الحالية، ما لم نتوقف عن صب المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ومن المعروف أن أيونات الكربونات التي تزداد ندرة على الدوام في الغلاف الجوي والمحيطات على حد سواء، هي ذاتها الأيونات التي تقوم الفقاريات البحرية بدمجها مع أيونات الكالسيوم لصنع الأصداف التي تعيش بداخلها. ويشبه العلماء عملية تحميض المحيطات بحالة مريض تتعرض عظامه على نحو سريع لمرض الترقق أو الهشاشة، وهو مرض لا يقتصر على البشر فحسب كما هو متصور، وإنما يصيب كائنات أخرى منها على سبيل المثال الشعاب المرجانية، كما يصيب أيضاً تلك الكائنات المحيطية المعروفة باسم "جناحيات الأقدام (Pteropods)، وهي كائنات تمثل مصدراً وفيراً من مصادر الغذاء لأشكال الحياة البحرية الأخرى، وعلى رأسها الأنواع ذات الأهمية التجارية أي المطلوبة في الأسواق، وتباع بأسعار باهظة، كأسماك السلمون الزهرية اللون وأسماك القد. وهذه الكائنات تتكون من نوع من كربونات الكالسيوم يدعى "أراجونايت"، وهي معرضة للذوبان أكثر من أنواع الكائنات الصدفية الأخرى في مياه المحيطات الحمضية. وهناك العديد من الأدلة العلمية على أن الحموضة المتزايدة تعوق نمو العديد من أشكال الحياة البحرية الأخرى - خصوصاً في مرحلة النمو- ومنها مثلاً سمكة الزينة المعروفة باسم السمكة المهرجة Clown Fish، وكذلك أسماك "الكريل"، التي تشبه "الروبيان" إلى حد كبير. وهذه الأنواع كانت معتادة على تكييف أحوالها بما يمكنها من العيش في المياه الحمضية للمحيطات والبحار، ولكن لم يكن مطلوباً منها أن تفعل ذلك بسرعة كبيرة كما هو الحال حالياً. في الشهر الماضي أصدرت وكالة الحماية البيئية الأميركية بياناً نهائياً شجعت من خلاله الدول المطلة على المحيطات بالبدء في تطوير وسائل لتقييم المياه البحرية وقياس نسبة التحمض المحيطي، ولكن التقييم فقط ليس كافياً. كما أنه ليس كافياً أن نعتمد على الاختراعات والهندسة المناخية لإيقاف عملية تحميض المحيطات. وقد اقترح بعض العلماء - كوسيلة لإيقاف تلك العملية - القيام بعملية منظمة لتغيير الدورات الميكروبية للكربون والأوكسيجين، لتعويض عملية التحميض المذكورة، والاستمرار في نفس الوقت في أسلوبنا الحالي القائم على إدمان استخدام أنواع الوقود الحفائري، وهو ما نراه عملاً من أعمال الغرور واليأس. لدينا خيارات أفضل من ذلك وهو خيار واضح، ويمكن الحصول عليه وتحقيقه بسهولة وهو صنع الكهرباء من دون إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الجو. المحيطات هي المصدر الأساسي للبروتين لمليارات البشر في مختلف أجزاء الكرة الأرضية، علاوة على أننا نستخدمها في أغراض أخرى مثل النقل والترفية والرياضة. والميكروبات الذائبة في المحيطات تمثل 50 في المئة من الأكسيجين الذي نتنفسه، كما أنها - المحيطات - توفر الأحماض الدهنية مثل أوميجا -3 التي تجد طريقها في نهاية المطاف لموائدنا وتساعدنا على البقاء في حالة صحية جيدة. وأمواج المحيطات ورياحها قد تساعدنا قريباً على إنتاج الطاقة النظيفة. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، وبدلاً من الاهتمام بها رحنا، نلقي فيها مخلفاتنا، ونتغاضى عن الآثار الكارثية لبقع الزيت التي نتسبب فيها، ولا نهتم بعلاجها على الوجه الأكمل، كما نتجاهل أيضا التغييرات الكبيرة التي تحدث فيها بسبب التغير المناخي وبسبب مخلفات ثاني أكسيد الكربون. لقد حان الوقت كي نُبدي احتراماً لهذا المورد المشترك الكبير، ونتوقف عن استخدامه كمقلب قمامة. لقد حان الوقت كي نضع المحيطات في مقدمة وقلب السجال السياسي حول المناخ. ولكن للأسف، فات الوقت، الذي كان يجب علينا أن نتوقف فيه عن إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الجو، وصبه في المحيطات. ------- توني هايميت اندرو ديكسون ------- استاذان بمعهد "سكريبس لعلوم البحار" بسان دييجو كاليفورنيا