كان الفيلسوف اليوناني أرسطو قد اصطلح على تعريف أوّلي للزمن يمكن أن يُقرّ به، بمثابة افتراض يملك مصداقية مفتوحة. وهذا التعريف هو: إن الزمن هو عَدّاد الحركة. فيظهر الزمن، هنا، من حيث هو قياس للحركة في السابق واللاحق والحالي. وكان هذا ذا أهمية خاصة بالنسبة إلى وضع اليد على أبعاد الوجود؛ مِـمّا فتح الباب أمام تحديد مفاهيم كبرى يعيشها الإنسان، منها أساساً الحياة والموت وضبط عملية التحول من الواحد إلى الآخر. وعن ذلك تشعبت احتمالات الوجود والموت، فصار الحديث وارداً عن ولادة ونمو وسوء نمو ومرض والوصول إلى حدّيْ الوجود والموت، وما بينهما من حالة النّزْع، وهكذا. ومع التقدم التاريخي راح الإنسان يحول تلك الأحوال والمفاهيم إلى مواضيع للبحث العلمي، ليقترب من حقيقتها أكثر، ويجيب عن الأسئلة التي تطرح نفسها عليه. وكان من أوائل العلوم التي أخذت تنمو شيئاً فشيئاً علم الحياة، باعتبار أنه يبحث في شؤون البشر الصحية مباشرة؛ إضافة إلى علم الفلك. واتسعت دائرة اهتمامهم بصحتهم وموتهم، وتكونت شيئاً فشيئاً مراكز بحوث ودراسات راحت تعالج ظاهرة الشيخوخة بوصفها حالة لا يمكن تخطيّها. وكان ذلك مشروطاً بظروف الحياة المتعددة وبمقاييس البحوث والمعالجة. وكان التصنيف العُمْري واحداً من الاكتشافات الكبرى، وتطورت معه إمكانات البحث في مسائل أخرى، مثل احتمالات رفْع معدّل العمر المتوسط، يداً بيد مع رفع مستوى العيش بصورة مطردة وعلى نحوٍ متوازن ومتكامل. من طرف آخر، راح يتضح للناس، ومنهم الباحثون، أن حديثاً عن تطوير مستوى العيش، بكيفية نوعية. حقاً، إنما هو حديث عن إعادة بناء المجتمعات البشرية، وفق اعتبارات ومقاييس مطردة في تقدمها، إضافة إلى إنهاء الحروب من العالم وتحويل البلايين من الأموال لصالح مواجهة ما يحدث هنا وهُناك من مجاعات وندرة في مياه الشرب إلخ. ومع ذلك، ظلّت أسئلة كبرى على صعيد العلم والبحث العلمي، قائمة، تتحدى البشر في معضلات الشيخوخة عموماً والمبكرة منها بصورة خاصة. ها هُنا تبرز أهمية البحث العلمي الميداني، ولعلّنا ننطلق من القول المأثور الشهير التالي، الذي يُفصح عن علاقة وثيقة بما نحن بصدده: العضو الذي لا يُستعمل، يضمر، وحقاً، حين تغيب أو تزول وظيفة أحد الأعضاء، يتراخى هذا العضو، ليسلك طريقاً قد يُفضي إلى نهايته. هكذا، يقفز مصطلح "الوظيفة" إلى السطح، بحيث يُنتج السؤال التالي: كيف يمارس هذا العضو أو ذاك (ولْيكنْ الدماغ) وظائفه وفق الثلاثية التالية: النوعية الأفضل، والوقت الأقل، والكلفة الأقل؟ بهذه الطريقة العقلانية، يبرز السؤال الخصوصي التالي: كيف نُقصّر فترة الشيخوخة ونجعل فترتيْ الشباب وامتدادهما أكثر طولاً وأعمق حضوراً وفاعلية؟ اتضح ويتضح باطراد أن إطالة تينك الفترتينْ مرتهن بعنصرين حاسمين هما الفاعلية العقلية النَّشطة من طرف، وكبح التراجع على صعيد المعرفة والبقاء في قلب الإنتاج أو اليقظة المعرفية العقلية من طرف آخر. وعلى أساس ذلك، قام فريق من الباحثين في معهد ماساشوستس للتقنية (بوسطن)، منهم A. Fischer، باستعادة مسار أو سياق prozess الزمن إلى رؤوس مجموعة قوارض، فاتضح "أنه لديها مجموعة مذكرات كنّا اعتقدنا أنها غائبة أو مفقودة بالأساس"، وهذا ما سمح لنا أن نعلن إن القيام بنشاطات مطردة ومتجددة يمكن أن توقظ جينات من المفترض أنها في حالة النوم. وهذا، بدوره، ينتج فرصة لتكيّف الدماغ من جديد". تلك فكرة حاسمة أثبت البحث العلمي التطبيقي من خلالها إمكانية التدخّل لصالح تجديد أو تحفيز الجينات باتجاه استعادة الحيوية والشباب.