استدعى وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلي، سفراء بلده في الدول الأوروبية ووجه لهم تعليمات واضحة بالاستعانة بخدمات الخبراء في مجال العلاقات العامة لتحسين صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأوروبي. وقد حدد وزير الخارجية الإسرائيلي مهاماً دقيقة يتعين على الدبلوماسيين الإسرائيليين إنجازها محدداً مهلة 16 يونيو المقبل كحد أقصى. ومن تلك المهام حصر قائمة من ألف شخصية موالية لإسرائيل في العواصم الأوروبية الرئيسية مثل لندن وبرلين ومدريد وباريس ومدن أخرى مثل أوسلو وكوبنهاجن ولاهاي، وبهدف التواصل مع تلك الشخصيات باستمرار وإطلاعها على المواقف الإسرائيلية وشرح وجهة نظرها. والحقيقة أن الأمر يتعلق بحملة علاقات عامة الغرض منها الدفاع عن السياسة الإسرائيلية واستغلال المنابر الإعلامية وغيرها لهذا الهدف، بحيث يُفترض بمن وصفهم وزير الخارجية "بالحلفاء"، والذين ستدرج أسماؤهم ضمن قائمة الألف في كل عاصمة من العواصم الأوروبية الكبرى أن يخرجوا في مظاهرات مؤيدة لإسرائيل كلما تطلب الأمر ذلك، وتدبيج البيانات المدافعة عن سياساتها، أو نشر المقالات في الصحف المحلية لتلميع صورة إسرائيل والتأثير على الرأي العام. وبالطبع خصصت إسرائيل لهذه الحملة ميزانية مهمة، ووضعتها تحت تصرف سفاراتها في البلدان الأوروبية المعنية، بحيث ستتم مضاعفة الموازنة المرصودة لكل سفارة على حدة. ومن الأشخاص أو الهيئات الذين سيتم تجنيدهم للقيام بمهمة الدفاع عن إسرائيل: الصحفيون والجمعيات اليهودية الناشطة في أوروبا، هذا بالإضافة إلى بعض الشخصيات اليهودية المعروفة بتأييدها لإسرائيل، دون أن ننسى الوجوه الثقافية البارزة والجمعيات الطلابية التي سيسعى الدبلوماسيون الإسرائيليون إلى نسج علاقات متميزة معها وإمدادها بالمعلومات أولًا بأول، بصرف النظر عن مدى صحتها والتزامها بالدقة والأمانة. وفي هذا السياق ستعلب وزارة الخارجية الإسرائيلية التي أطلقت هذه الحملة دوراً حيوياً في تقديم الدعم للحملة الإعلامية وللسفارات الإسرائيلية التي تقف وراءها من خلال مجموعة من الأدوات والوسائل مثل تسريب الرسائل السياسية حول المواقف الإسرائيلية من السلام في الشرق الأوسط، وعلاقتها بالقضايا المطروحة على الساحة، فضلاً عن صياغة العلاقة التي تجمعها بالفلسطينيين. ومن المتوقع أن تخفف إسرائيل من لهجتها فيما يتعلق بالموقف من الاستيطان وباقي الاستفزازات الإسرائيلية بهدف إظهار مدى تعلق الدولة العبرية بالسلام وحرصها على تحقيقه. لكن إسرائيل وبعيداً عن القضايا المألوفة التي ستجد صعوبة في تجميلها بالنظر إلى ما تنشره وسائل الإعلام الرصينة من تجاوزات إسرائيلية لا يمكن إخفاؤها، ستركز حملة العلاقات العامة على جوانب أخرى تُطبع وضع إسرائيل في أنظار الرأي العام كالحديث عن الجانب الاقتصادي، والأداء المتميز لإسرائيل في هذا المجال، ثم التنويه بالتقدم التكنولوجي الذي تعرفه إسرائيل، بالإضافة إلى التعريف بالدولة العبرية كوجهة سياحية تضم العديد من الأماكن المقدسة التي يتعطش المسيحيون لزيارتها والتغطية على مسائل الاحتلال والعنف ومصادرة الأراضي وهدم البيوت باعتبارها جزاء من السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، هذا في الوقت الذي ستحاول فيه السفارات الإسرائيلية من خلال شبكاتها الموالية إثارة قضايا شرق أوسطية أخرى مثل مسألة حقوق الإنسان في البلدان العربية، وتخويف الغرب من الجماعات الإسلامية و"حزب الله" كي تصرف الانتباه عن انتهاكاتها الخاصة. ويبقى أن نعرف اللائحة التي تضم ألف شخصية في كل بلد من البلدان، وهو الأمر الذي لن تسلم به السفارات حرصاً على سريتها، رغم أن عدداً لا يستهان به من رموز المجتمع لن يخفوا مساندتهم الواضحة لإسرائيل من خلال مقالاتهم، أو ظهورهم المتكرر على شاشات المحطات التلفزيونية، فيما سيتوخى البعض الآخر الحذر ويستنكف عن إبراز هويته أو ذكر اسمه حتى لا يعرض مصالحه مع الدول العربية، أو الجاليات المسلمة والعربية في البلدان الأوروبية للتهديد. ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن المحاولة الإسرائيلية لتجميل صورتها تأتي بعد ما لمسته من تراجع كبير في تعاطف الأوروبيين معها واستعدادهم لتوجيه اللوم لها وانتقادها دون التوجس من التهمة الجاهزة التي يُرمى بها عادة كل من ينتقد التجاوزات الإسرائيلية وهي معاداة السامية وكراهية اليهود. لكن يبقى أن نعرف مدى نجاح إسرائيل في حملة العلاقات العامة التي تنوي إطلاقها في أوروبا، لا سيما وأن النتيجة لن تكون مضمونة في جميع الحالات. ويمكن الاستعانة بالتجربة التاريخية، على سبيل المثال حاولت فرنسا وهي البلد الأقوى نفوذاً والأكثر حضوراً تعزيز صورتها وترسيخ نفوذها عندما كانت حرب الجزائر مستعرة. ورغم كل المحاولات الساعية إلى تثبيت الرواية الرسمية، وجدت قطاعات عديدة من الشعب الفرنسي نفسها متعاطفة مع حركة التحرير الجزائرية لتُرغم في الأخير الدولة الفرنسية على مراجعة حساباتها في الجزائر والتخلي عما كانت تعتبره جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. فإسرائيل ورغم كل الإمكانات التي رصدتها لحملتها الإعلامية تعوزها المصداقية بعدما لم يعد من السهل إخفاء الحقيقة في زمن السماوات المفتوحة والعولمة وتدفق المعلومات، بل إن التعاطف الذي كانت تحظى به إسرائيل في الماضي كدولة صغيرة في بحر من البلدان المعادية التي تسعى إلى القضاء عليها، قد انحسر اليوم وبات محصوراً في فئات صغيرة من "اليمين" والمحافظين بعدما تحولت إسرائيل اليوم إلى قوة كبرى في المنطقة تمتلك ترسانة نووية كبيرة، وفي ظل استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وحصارها المفروض على قطاع غزة. ولا ننسى أن العالم اليوم والرأي العام الأوروبي خصوصاً منزعج من التصرفات الإسرائيلية التي أقدمت عليها في السنوات الأخيرة بدءاً من حرب لبنان عام 2006 واستهداف للبنية التحتية وقصفها المروع لقطاع غزة أواخر العام 2008، وأخيراً وليس آخراً اعتراضها الدامي لأسطول الحرية التركي، وما رافق ذلك من سقوط للضحايا، فإسرائيل إذ تبذل جهوداً مضنية لتحسين صورتها عليها أن تلتفت إلى الأصل من خلال تغيير سياساتها الحالية والتخلي عن الاحتلال ووقف الاستيطان لأنها السبيل الوحيد لإعادة إسرائيل إلى حضن المجتمع الدولي كدولة طبيعية لا تقمع الفلسطينيين ولا تحتل أراضيهم.