خلصت في مقالتي السابقة في هذه الزاوية إلى أن الخليج قد أصبح بجدارة قلب العالم العربي النابض بسبب "قوته وقدراته المرنة". وهذا يرتب على دول الخليج الثماني العمل على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية. ولكن هناك تهديدات وتحديات كبيرة تعصف بمنطقة الخليج سواء من الدول الإقليمية الكبيرة، التي كانت وراء الحروب وعدم الاستقرار وخاصة في حربي إيران والعراق واحتلال الكويت ورفض الانسحاب منها واضطرار النظام الدولي لخوض حرب تحرير الكويت. أما حرب إسقاط نظام صدام في العراق فإن الحسابات الخاطئة لكلا الطرفين، وخاصة الطرف الأميركي، كانت وراء خوضها ضد إحدى القوى الكبرى في النظام الأمني الخليجي. إن إحدى سمات النظام الأمني الخليجي هي عدم توفر توازن قوى إقليمي بين دول المنطقة. وفاقم سقوط النظام العراقي وخروج العراق من معادلة الأمن الخليجي، وغياب الثنائية القطبية الإقليمية وتحولها إلى أحادية قطبية وتنامي الدور الإيراني في العراق، من زيادة الخلل في ميزان القوى في المنطقة. ومن سمات النظام الأمني الخليجي أيضاً استقطاب منطقة الخليج العربي للقوى الكبرى عبر تاريخها من البرتغاليين في القرن السادس عشر، إلى الأميركيين اليوم، مروراً بالهولنديين، والعثمانيين، والبريطانيين، مع محاولات للروس، والألمان أيضاً. واليوم مع التغيرات الكبيرة والسريعة في النظام العالمي بدأ التحول إلى نظام التعددية القطبية الذي أشار إليه تقرير لمجلس الاستخبارات الأميركية حيث أكد أن النظام العالمي سيكون في عام 2025 نظاماً مختلفاً كليّاً إلى درجة أنه لن يشابه النظام العالمي المعاصر. إذ ستبقى أميركا الدولة الأقوى، ولكنها غير المهيمنة ولن يكون بمقدورها أن تأمر وتنهى في نظام متعدد الأقطاب مع صعود الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي. وسيكون الاعتماد أكبر على الغاز في ذلك الحين. وسيبرز دور وحضور ملفت للفاعلين والمنظمات من غير الدول، وستنتقل الثروات بشكل غير مسبوق من منطقة الأطلسي بضفتيه الأوروبية والأميركية إلى منطقة المحيط الهادئ. وكل هذه الدول واللاعبين لديهم مصالحهم وأهدافهم وسيسعون لأن يكون لهم دور وحضور خلال العقود القادمة في حماية أمن الطاقة ومصادرها وطرقها وأسعارها، لأن ذلك يخدم مصالحهم ومصالحنا وأمنهم وأمننا في معادلة ربحية للطرفين. وهذه هي القاعدة الرئيسية في العلاقات الدولية. إن على دول المنطقة، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، رصد ومتابعة والاستفادة من التحولات الاستراتيجية السريعة في نظام عالمي يتراجع فيه الدور والحضور الأميركي تدريجيّاً واستراتيجيّاً لخمسة أسباب: أولاً: التغيير في طبيعة النظام العالمي نفسه وتحوله التدريجي إلى نظام متعدد الأقطاب. ثانياً: الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على الالتزامات الأميركية والحروب الخارجية حيث يذهب البعض إلى أن حربي العراق وأفغانستان ستكونان هما آخر حروب أميركا. ثالثاً: مطالبات أميركا من حلفائها بتحمل المزيد من "الأعباء" المالية واللوجستية والتسلح. رابعاً: صعود وبروز قوى كبيرة في النظام العالمي لن ترضى في المستقبل بأن تترك مسألة الأمن في الخليج حكراً على دولة أو لاعب واحد يتحكم بجميع المقدرات دون قوى مثل الصين ودول شرق آسيا التي تستورد 90 في المئة من احتياجاتها من الطاقة من دول المنطقة. خامساً: أن الاستراتيجية الأميركية في الخليج خلال الأربعين سنة الماضية ابتداءً من مبدأ نيكسون وكارتر وكلينتون حول احتواء العراق وإيران، وصولاً إلى مبدأ بوش الابن في تغيير الأنظمة في حالة العراق والتهديد بتغييرها في حالة إيران، لم تنجح في تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة ولدولها بما يطمئننا إلى مستقبل الاستراتيجية الأميركية. وهذا قد يشجع في المستقبل قوى أخرى على أن تمارس أدواراً وتتقدم بمبادرات لتحقيق الأمن والاستقرار. ولكن دون ذلك السيناريو الكثير من التحديات والعقبات في الوقت الراهن. وأبرزها عدم وجود قوى كبرى لديها القدرات والقوة والإمكانيات والإرادة السياسية للعب دور في الأمن الخليجي في السنوات المقبلة. ولكن هذا نهج وتحول قادم وعلى صناع القرار في دول مجلس التعاون، باستراتيجيتهم التي تتجه شرقاً، التفكير فيه والتخطيط له بشكل استراتيجي واستشرافي، استجابة للتدافع الدولي والتغيرات الكبيرة والسريعة التي تموج من حولنا على المستوى العالمي. Summary