يمكن التأكد من فعالية المدرسين وكفاءتهم بقياس مستوى طلبتهم والتقدم الذي أحرزوه في الاختبارات المعيارية، هذه هي النتيجة الأولية التي خرجت بها دراسة أعدها مجموعة من الباحثين البارزين في مجال التربية وشملت شريحة واسعة من الطلبة وصدرت نتائجها يوم الجمعة قبل الماضي، فالدراسة التي مولتها مؤسسة "بيل وميليندا" توفر أدلة قوية تثبت وجاهة تحليل "القيمة المضافة" في تقييم المستوى الدراسي للطلبة، ومن خلاله الحكم على المدرسين أنفسهم. لكن التحليل لم يرق للعديد من المدرسين ممثلين في نقاباتهم المهنية، فضلاً عن بعض خبراء التربية الذين شككوا في قدرة علامات اختبارات الطلبة على تحديد مدى فاعلية المدرسين، فحسب المقاربة الجديدة التي تبنتها الدراسة يتم قياس فعالية المدرس من خلال مقارنة أداء طلبته في الاختبارات المعيارية مع مستواهم في السنوات الماضية. وقد تم اعتماد المقاربة في بعض المدن الأميركية مثل نيويورك وواشنطن وهيوستن، كما أنه من المتوقع أن تطبق قريباً، إذا وافق عليها المسؤولون المحليون، في مدينة لوس أنجلوس. والحقيقة أن مبادرة حصر وتحديد "إجراءات التدريس الفعال" التي خُصص لها 45 مليون دولار تهدف إلى قياس أداء المدرسين من خلال فحص مكثف ومراقبة لصيقة لأكثر من ثلاثة آلاف مدرس في مختلف المدن الأميركية، وفي النهاية سيتم دراسة مقاربات متنوعة بما فيها استخدام وسائل ملاحظة متطورة وإعطاء الفرصة للمدرسين لإجراء تقييمهم الذاتي. وقد جاءت نتائج الدراسة بعد مرحلة طويلة من الانتظار من قبل المسؤولين التربويين، كما أتت في مرحلة يبحث فيها الجميع عن أنجع الوسائل لتتبع أداء المدرسين الذي ولعقود طويلة اقتصر على ملاحظات غير منتظمة من قبل نظراء المدارس الذين غالباً ما يعطون علامات تجيز جميع المدرسين. ومن شأن المقاربة الجديدة القائمة على تتبع أداء الطلبة للحكم على فعالية المدرسين أنفسهم إضفاء نوع من الموضوعية على عملية التقييم لأنها تقارن تطور مستوى الطلبة عبر الزمن وعلى مدى السنوات، بالإضافة إلى إدخال اعتبارات أخرى مثل الوسط الذي ينحدر منه الطلبة وعوامل الفقر والاستقرار الأسري، الذي تلعب دوراً مهماً في تحديد أداء الطالب ومستواه الدراسي. وخلافاً للقلق الذي أبداه معارضو المقاربة يرى مؤيدوها أن إخضاع الطلبة لاختبارات معيارية أمر ضروري لما تعكسه تلك الاختبارات من مستوى التعلم والمهارات، التي اكتسبها الطلبة بما فيها التفكير النقدي، وليس فقط الحفظ والاستعداد للاختبار فقط. ومع ذلك يعارض بعض المهنيين ومسؤولي النقابات نتائج الدراسة على أنها سابقة لأوانها، وهو ما عبرت عنه الفيدرالية الأميركية للمدرسين على لسان رئيسها "راندي وينجارتن" قائلاً: "كان الأمل أن تسلط الدراسة الضوء على الممارسات التعليمية، التي من شأنها تطوير أداء الطلبة والرقي بمستواهم، لكن النتائج مازالت في طورها الأولي، لذا نحن متفاجئون من السرعة التي صدرت بها رغم اعتراف معديها أنفسهم بأن الدراسة لم تستكمل بعد". وتركز الدراسة الأولية على إجراءين لقياس أداء الطلبة: الأول يتعلق بتحليل القيمة المضافة، والثانية باستطلاع آراء الطلبة، وتكشف المقاربتان معاً عن بعض مواطن الخلل في طرائق التدريس الحالية، وما إذا كان المدرسون يتميزون بالفاعلية فيما يقومون به، وفي هذا السياق تشير العديد من الدراسات إلى الاختلافات الكبيرة في نجاعة المدرسين وغيابها في طرق التقييم الذاتية المعمول بها حالياً. ولمتابعة التقييم قامت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" بنشر مقالات حول مقاربة القيمة المضافة التي تعتمد على العلامات التي يحرزها الطلبة في الاختبارات المعيارية، وشملت مدارس كثيرة في العديد من المناطق التعليمية، بحيث انتهت المقالات إلى خلاصة مهمة مفادها وجود اختلافات كبيرة بين المدرسين أنفسهم رغم تعاملهم مع نفس الطلبة لتدفع هذه النتائج الرأي العام والمختصين عن البحث عن السبيل الأمثل لتقييم المدرسين. وما إذا كان من الأفضل نشر نتائج التقييم علناً، وقد جادلت نقابات المدرسين وبعض خبراء علم التربية بأن مقاربة القيمة المضافة لا يمكن الاعتماد عليها كوسيلة ذات مصداقية لتقييم الطلبة ومن خلالهم قياس أداء المدرسين لأنها تشجع فقط على الحفظ والتدريس الموجه حصراً لاجتياز الاختبارات المعيارية وليس لتعلم مهارات أساسية. لكن الدراسة كشفت إدراك الطلبة للمدرسين الذين يلجؤون فقط إلى التعليم من أجل الاختبار، وبالتالي يحصلون على علامات سيئة، كما أظهرت الدراسة أن تقييم الطلبة حسب أدائهم في الاختبارات المعيارية يعد مؤشراً جيداً لتحديد مستقبل أداء الطلبة في الاختبارات الأخرى التي تمتحن مفاهيم أكثر تعقيداً مثل الرياضيات، وقد عبرت الدراسة عن ذلك بقولها إن "المدرسين الذين يحققون مكاسب في الاختبارات على صعيد الولايات يشجعون في الوقت نفسه إدراكاً أعمق للمفاهيم لدى الطلبة". ومع ذلك أقر الباحثون الذين أشرفوا على إجراء الدراسة، بمن فيهم خبراء من جامعة ستانفورد ودارموث وراند كورب وغيرها من المؤسسات التربوية الرائدة، بوجود بعض الثغرات في مقاربة القيمة المضافة من بينها عدم تتبع علامات الطلبة من سنة إلى أخرى من قبل المدرسين. هذا بالإضافة إلى أن معرفة النتائج السنوية للطلبة على مدار السنوات، لا تتيح بالضرورة وسائل تحسين الأداء، لذا ينصح الخبراء بتبني مقاربة القيمة المضافة مصحوبة بإجراءات أخرى لقياس الأداء حتى تكون أكثر مصداقية. جيسون فيلش كاتب أميركي متخصص في التربية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال" محمود