ما هي حدود الوزير في وزارته، أو المدير في إدارته أو المسؤول في إطار عمله؟ هذه الحدود بلاشك تضبطها اللوائح والقوانين والأنظمة المعمول بها. هذا هو المتعارف عليه من الناحية القانونية. لكن الواقع يقول لنا غير هذا، وبمقدار انتقال الدول من الشخصنة إلى المؤسسية بالقدر الذي تتقدم فيه الدول. دعوني أسوق لكم مسألة أعرفها كتربوي، فكوني متخصصاً في المناهج أعلم أن من حق الطفل الذي التحق بالصف الأول هذا العام أن يدخل منهجاً تعليمياً متدرجاً من السهل إلى الصعب ومن البسيط إلى المعقد، وذلك حسب نموه العقلي والنفسي والجسدي والاجتماعي، ويكون ذلك مخططاً لمدة 12 سنة هي عمر الطفل في المدرسة. لكن أن يعرض الطفل خلال هذه المدة إلى أكثر من منهاج أو نظام تعليمي، وبالذات أنظمة التقويم والامتحانات، التي تبرز إلى الساحة في منتصف الطريق، أو في منتصف العام الدراسي، فإن هذا الأمر ضد الأعراف التربوية العالمية، وهو نموذج للشخصنة في مؤسسات التعليم. فلكل مسؤول توجهات وأفكار يريد أن يقدمها من خلال المدرسة. ومن يعرف تاريخ التعليم في الإمارات، سيجد أنه يؤرخ له بحقبات تسمى بمسميات وزراء التربية والتعليم الذين تعاقبوا على هذا المنصب، لذلك تسمع في ديوان الوزارة عبارات مثل أحسن وزير مر علينا في التعليم هو...، وأخطر من مر بالتعليم هو... وأكثر وزير اتخذ قرارات وأربك التعليم هو، وأفضل وزير تعامل مع قضية التوطين كان.... هذه الكلمات مؤثرة في أخطر مؤسسة ألا وهي المؤسسة التربوية. والعقل يقول بأهمية وجود مجلس أعلى للتعليم يشرف على هذه المؤسسة ويعتمد خططها واستراتيجياتها بحيث لا تتأثر بكل تغيير وزاري. هذا المجلس ينبغي أن يمثل قطاعات مختلفة في الدولة كالقطاع العام والخاص ويمثل فيه أهل التجربة في الدولة وبعض المفكريين الاستراتيجيين، والمعلمين ومدراء المدارس والقائمة ليست طويلة كما يعتقد البعض. وينبغي ألا يرأس هذا المجلس وزير التربية، بل لابد أن يكون رئيسه من أعلى المسؤولين في الدولة منصباً كي يكون قراره نافذاً ، وتوجهاته تعبر عن قيادة الوطن. فكرة لو تمكنا من تنفيذها، سنحمي الأجيال القادمة من التغييرات الجذرية التي نعرفها كتربويين، والتي تجري مع كل تغيير وزاري، كما أن هذا المجلس سيجعل وزارة التربية والتعليم تخطط الاستراتيجيات وفق معايير وتوجهات الدولة بعيداً عن الآراء الشخصية والخلفيات الفكرية، التي يحملها كل إنسان. وهذه الفكرة لا تعني أبداً حرمان الوزراء والمدراء من التفكير والتطوير، لكنها تجعل الأمر وفق ضوابط ومعايير مؤسسية، وليست شخصية.