والعالم على وشك توديع العقد الأول من القرن الجديد، أصبح عدد من أنماط التنمية في دول العالم النامي، يتغير بشكل أكثر وضوحاً. التغيرات الجديدة تشمل ظهور فاعلين جدد وتقنيات جديدة، ودور متزايد للاستثمارات الخاصة، وانخفاض ملحوظ في معدلات الفقر في دول كالصين والهند. الأنماط الجديدة التي نشير إليها تذهب إلى جوهر ماهية التنمية، وكيف يتم تحقيقها، ومن هي الأطراف الضالعة في أخذ زمام المبادرة لإنجازها. هذه الأنماط في مجموعها توضح بأن من المحتمل أن تصبح التنمية في المستقبل مختلفة جداً عما كانت عليه في الماضي. في بداية الأمر وجه العالم اهتماماته نحو التنمية كهدف في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في ذلك الوقت بدأ المجتمع الدولي في التساؤل حول كيفية تسريع النمو الاقتصادي والحد من الفقر. وبدأت الدول الغنية في الضلوع المتزايد في دعم التقدم الاقتصادي في الدول الفقيرة عن طريق المعونات الخارجية، والقيام بإنشاء الوكالات المتخصصة سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف لتوفير وإدارة مساعدات التنمية. وبالتأكيد أن تلك المساعدات لم تكن بريئة دائماً، فقد كانت وراءها بواعث أغلبها يهدف إلى دعم المصالح الوطنية للدول المانحة، ولتأمين مخرجات عمليات الاستقلال الحاصلة في صالح كل واحدة من الدول الاستعمارية، وللحفاظ على مجالات النفوذ التي تحظى بها كل واحدة منها في مستعمراتها السابقة، لتوسعة نطاق صادراتها الخاصة، ولتأمين مصادر المواد الأولية ومصادر الطاقة. أنظمة المساعدة الدولية والتنموية تعتمد على قيام الدول الغنية بتقديم مساعدة اقتصادية ممنوحة، إما مباشرة إلى الحكومات المتلقية، أو بطرق غير مباشرة عبر المؤسسات الدولية. وكان الدعم يذهب إلى مشاريع متفق عليها كالطرق والخدمات الزراعية، والتعليم الابتدائي والرعاية الصحية. واتضح بأن عقدي التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين هما عقدا المرحلة الانتقالية للتنمية، فمع نهاية الحرب الباردة، بدأت العديد من الدول الاشتراكية السابقة في التحول نحو اقتصاد الأسواق الحرة والحكم الديمقراطي. وانصرف اهتمام دعم الدول المانحة للمساعدات نحو هذا التحول. واجتاحت موجة من عمليات إدخال الديمقرطية أجزاء أخرى من العالم أيضاً بما في ذلك أفريقيا جنوب الصحراء بحيث أصبحت الديمقراطية مرتبطة بشكل متزايد بالتنمية في أذهان العديد من ممارسي التنمية، اعتقاداً بأن التنمية هي المفتاح الذي يسهل التقدم والنمو، وبذلك صار الدعم الخارجي يستخدم لدعم التنمية السياسية. في الوقت نفسه، فإن الاهتمام المتزايد بمشاكل التحول، كالتدهور البيئي والأوبئة المعدية، زاد من اتساع نطاق التنمية، وأصبح منع الصراع ونزع فتيله جزءاً من الإطار الأوسع للتنمية الدولية، بسبب اندلاع الصراعات في عدد من الأقطار بحيث أصبح ضرورياً أن يحتاج التقدم الاقتصادي أوضاعاً سلمية. وأخيراً فإن حوار التنمية جدد تركيزه على القضاء على الفقر المدقع، جزئياً بسبب الثورة المؤسسية في شكل تفجر لمنظمات المجتمع المدني في كل من الأقطار الفقيرة والغنية على حد سواء، والعديد من هذه المنظمات لديه اهتمامات بتحسين مستويات معيشة البشر. بين فترة ما بعد الحرب الكونية الثانية وعام 2010 تغير الكثير، وبشكل خاص فكرة التنمية التي اتسع نطاقها لكي يشمل عدداً كبيراً من القضايا. ويبقى أن التركيز الجوهري هو على القضاء على الفقر المدقع، والأداة الأولى لتحقيقها تبقى قائمة على المساعدة الاقتصادية للحكومات الفقيرة.