منذ انتخابات الكونجرس النصفية التي جرت في شهر نوفمبر المنصرم، اتبع أوباما طريقاً متذبذباً يمضي فيه خطوة نحو اليمين وأخرى نحو اليسار. وقد ازداد هذا التأرجح عقب الصفقة الضريبية التي أبرمها مؤخراً مع خصومه "الجمهوريين"، فأسعدت الحزب "الجمهوري" والمحافظين بقدر ما أثارت غضب اليساريين في المعسكر السياسي للرئيس. غير أن هذه الاستراتيجية التي تبناها البيت الأبيض للتو، تبدو واضحة ومفهومة جداً إذا ما نظرنا إليها من منظور السياسات الانتخابية. والمقصود بذلك أن الاستراتيجية الأخيرة التي تبنتها إدارته تهدف في الأساس إلى استعادة تأييد الناخبين المستقلين للرئيس، مع العلم أن هذه الفئة من الناخبين تسببت في أسوأ الانتكاسات الانتخابية لأوباما وحزبه في الانتخابات النصفية التي عقدت في شهر نوفمبر المنصرم. وكانت إحدى الشكاوى الرئيسية التي أثارها الناخبون المستقلون الشعور بعجز واشنطن عن إدارة الشؤون العامة على أساس ثنائي حزبي. وحين يحاول أوباما إثبات قدرته على العمل مع خصومه السياسيين، فإنه يرسي بذلك أهم أركان استراتيجيته الانتخابية الرئاسية لعام 2012، وهو العام الذي تنتهي فيه فترة سريان الصفقة الضريبية التي توصل إليها للتو مع خصومه "الجمهوريين". هذا ما أكده أحد كبار مستشاري البيت الأبيض -بشرط عدم ذكر اسمه- أثناء مناقشته للقضايا ذات الصلة بالاستراتيجية الداخلية، حيث قال: "إن علينا استعادة الناخبين المستقلين الذين خسرناهم في الانتخابات النصفية". وفي داخل البيت الأبيض، ينشغل "بيتر روز" -كبير موظفي المكتب الرئاسي- بوضع اللمسات الأخيرة على استعراض للوضع الداخلي، بهدف تهيئة الرئيس ومستشاريه للمناخ السياسي الجديد. ويتوقع لهذا الاستعراض أن يشمل إطلاق مبادرات جديدة قصد منها التصدي لأحد أهم جوانب ضعف الأداء الرئاسي خلال العامين الماضيين من ولاية أوباما الحالية: عجز الرئيس عن التواصل اليومي مع عامة الأميركيين. فحسب رأي الناخبة المستقلة "ميلاني أوربن" البالغة من العمر 38 عاماً، فقد توقف أوباما عن محاولة التواصل مع عامة الجمهور الأميركي فيما يبدو منذ انتهاء حملة سباقه الرئاسي في نوفمبر من عام 2008. وقد ورد هذا الحديث للناخبة المذكورة من إحدى ضواحي فلادلفيا أثناء حلقة نقاش نظمت برعاية مركز "أننبرج" للسياسات العامة بولاية بنسلفانيا. ولكن فيما لو كانت صفقة الضرائب التي أبرمها أوباما مؤخراً مع "الجمهوريين" ستؤدي إلى خلق مناخ سياسي جديد في واشنطن، أم ستكون مجرد استجابة واحدة من جانب الحزبين لمعضلة استثنائية، فهذا ما تتعين مراقبته عن كثب خلال الشهور القليلة المقبلة. يذكر أن أوباما وصف هذه الصفقة بأنها "حدث فريد بحق". وفي الوقت نفسه حذر أحد مستشاريه من أي تكهنات ببزوغ فجر سياسي جديد في واشنطن عقب التوقيع على الصفقة الضريبية. وكما هو معلوم، فقد شملت الصفقة المبرمة تنازلات من إدارة أوباما لـ"الجمهوريين" والمحافظين، بما فيها التراجع عن ضريبة الورثة واستمرار سريان الخفض الضريبي للأثرياء، إضافة إلى توفير حوافز إضافية للاستثمار. غير أن الصفقة شملت من التنازلات من جانب "الجمهوريين" ما يسعد اليسار الليبرالي: تمديد فترة فوائد البطالة، وتوسيع الائتمانات الضريبية الخاصة بأطفال الفقراء، فضلاً عن توسيع الائتمانات الدراسية للطلاب. كما اتجهت الإدارة أيضاً من اليمين إلى اليسار في عدة قضايا أخرى بغية تبني استراتيجية جديدة للثنائية الحزبية. فقد تراجعت مؤخراً فيما يتعلق بالحفر النفطي البحري، بفرضها حظراً على التنقيب النفطي في الساحل الأطلسي، وفي الجزء الشرقي من سواحل خليج المكسيك. وواضح أن هذا الحظر قد استهدف كسب أصوات ناخبي ولايتي فلوريدا وفرجينيا لما لهما من أهمية كبيرة في ترجيح فوز أحد الحزبين بالانتخابات. واتبعت الإدارة تلك الخطوات بخطوات أخرى أسعدت الخصوم "الجمهوريين"، ومنها على سبيل المثال: تجميد الدفعيات المقدمة للعمال الفيدراليين، وإبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع كوريا الجنوبية. وشملت رحلات أوباما الداخلية فيما بعد الانتخابات النصفية، زيارته لولايتين تمكن من تحويلهما أثناء حملته الرئاسية من خانة الولايات الجمهورية الحمراء، إلى الولايات الديمقراطية الزرقاء في انتخابات عام 2008 وهما: إنديانا وكارولينا الشمالية. ومن بين أهم القضايا التي ركز عليها أوباما خلال رحلاته الداخلية هذه: التعليم وإحياء صناعة السيارات بدعم مالي حكومي. وفي الوقت نفسه تعهد بجعل الوظائف والأداء الاقتصادي للبلاد القضيتين المحوريتين الوحيدتين لعمله الرئاسي خلال العام المقبل. وبدافع الغضب من التنازلات التي قدمها أوباما عبر الصفقة الضريبية هذه لصالح "الجمهوريين" -لاسيما موافقته على استمرار خفض الضرائب المفروضة على أثرى أثرياء أميركا- فقد ظن بعض اليساريين أن أوباما لم يعد ذلك القائد الليبرالي الذي افترضوه وصوتوا له في عام 2008. أما في الجانب العسكري، فليس متوقعاً لاستعراض الاستراتيجية الحربية في أفغانستان أن يساعد كثيراً على التخفيف من مخاوف كثيرين في الحزب "الديمقراطي" من أن يستمر بقاء الجنود الأميركيين هناك حتى عام 2014، على رغم استراتيجية زيادة عدد القوات التي تبناها أوباما هناك. غير أن مستشاري أوباما السياسيين أعربوا عن ثقتهم في عودة الليبراليين المتشككين إلى مواقع تأييدهم للحزب والإدارة في نهاية المطاف. ويرى هؤلاء المستشارون أن نسبة التأييد الشعبي العالية التي لا يزال يتمتع بها أوباما في أوساط "الديمقراطيين"، تتيح له فرصاً جيدة للمناورة في انتخابات عام 2012. بول ويست كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"