في السادس والعشرين من مارس 2010، كانت السفينة الحربية الكورية الجنوبية "شيونان" قد أغرقت في مياه الساحل الكوري الغربي. وكانت قد سادت الافتراضات بأن كوريا الشمالية هي المسؤولة عن الهجوم على السفينة، والذي قتل بسببه 46 بحاراً جنوبياً. غير أن وزارة دفاع كوريا الجنوبية اتخذت موقفاً شديد الحذر عقب الحادثة مباشرة. فقد أعلنت في بيان رسمي لها أنه "من السابق لأوانه مناقشة أسباب غرق السفينة، ولم يتضح بعد ما إذا كانت لكوريا الشمالية صلة بالحادث". ولم توجه سيؤول اتهاماً رسمياً لبيونج يانج بتدمير السفينة براجماتها إلا في شهر مايو من العام الحالي، أي بعد مضي ما يقارب الشهرين على غرق السفينة، وعقب تحقيق أجرته سيؤول بالتعاون مع خبراء أميركيين وأستراليين وبريطانيين. وفي الوقت نفسه تعهدت كوريا الجنوبية باتخاذ تدابير دفاعية حازمة في مواجهة تحرشات جارتها الشمالية. وعلى الرغم من أن سيؤول لم تقم بأي عمل عسكري يستهدف كوريا الشمالية، فقد أوقفت تقريباً جميع أشكال التبادل التجاري معها، إضافة إلى تجديد الحرب النفسية ضدها، لاسيما شن حملة للدعاية المضادة لبيونج يانج، بواسطة استخدام مكبرات الصوت على امتداد الخط الثامن والثلاثين الموازي للحدود بينهما. ثم أعقب ذلك تطور عسكري جديد في الثالث والعشرين من نوفمبر المنصرم. ففي ذلك اليوم قصفت مدفعيات كوريا الشمالية جزيرة يونبايونج الكورية الجنوبية، فقتلت اثنين من المدنيين واثنين من العسكريين هناك. وفي هذه المرة أيضاً، كانت استجابة وزارة الدفاع الكورية الجنوبية الأولية للهجمات شديدة الحذر. لكن ووجهت هذه الاستجابة الحذرة من قبل وزارة الدفاع، بردة فعل شعبية غاضبة من عامة المجتمع الكوري الجنوبي، لاسيما من أوساط الشباب. وفي استجابة لذلك الغضب الشعبي من حكومة سيؤول، تم استبدال وزير الدفاع السابق، "كيم تاي-يونج" بخلفه "كيم كوان-جنج" الذي كان رئيساً سابقاً لأركان الحرب المشتركة. وبمجرد تسلم الوزير الجديد لمهامه الوزارية، أصدر بياناً حازماً جاء فيه: "إذا ما وجهت إلينا كوريا الشمالية أي استفزازات أخرى، فمما لا شك فيه أننا سنستخدم طائراتنا المقاتلة لقصفها". ويمثل هذا البيان الصادر عن وزارة دفاع سيؤول، تصعيداً عسكرياً كبيراً، يعبر عن خطابية كورية جنوبية جديدة، لا تستبعد استخدام القوة ضد الجارة الشمالية. ويصادف هذا التصعيد توقيتاً تواجه فيه كوريا الشمالية أزمة قيادة تتعلق بخلافة الزعيم الحالي "كيم جونج إيل" في القيادة، مع العلم أنه يستعد لتنصيب نجله "كيم جونج أون" خلفاً له، وسط ما يوصف بأنه تنافس مرير بين القيادات العليا للجيش. ويذكر أن الانتقادات الدولية لم توجه إلى كوريا الشمالية وحدها، بل شملت الصين بسبب الموقف الذي اتخذته من العدوان الكوري الشمالي على كوريا الجنوبية، وحثها لجميع الأطراف على التزام الهدوء والحذر ومناقشة ما حدث بدلاً من اتخاذ موقف عملي، رغم أن الصين تعتبر الدولة الوحيدة التي لها نفوذ على كوريا الشمالية. وقد صاحب الموقف السلوك الصيني إزاء العدوان الكوري الشمالي، تصاعد القلق بشأن مواقف بكين من اليابان، وادعاءاتها بملكية أراض في الجزر المتنازع عليها في البحار الواقعة جنوبي الصين. وبسبب العدوان الكوري الشمالي، وسلبية الموقف الذي اتخذته بكين إزاء سلوكيات بيونج يانج، ازداد قلق الدول الإقليمية المجاورة للصين، من أن تكون لبكين أجندة لتوسيع نفوذها الإقليمي مستخدمة نزعتها الوطنية المتطرفة. ويذكر أن الدول المجاورة للصين ظلت على قناعة، ولعدة سنوات، بأن الصعود الصيني على المستويين الإقليمي والدولي، يمثل ظاهرة اقتصادية بالأساس، غير أن هذه النظرة بدأت تتغير الآن. وقد صادف كل ذلك تزايد القلق من احتمال خفض واشنطن لمستوى وجودها العسكري في المنطقة الهندية الباسيفيكية بأسرها، لأسباب مالية تتعلق بتكلفة مستوى الوجود الحالي، وكذلك بسبب الإجهاد المادي البشري الذي تعرضت له في كل من أفغانستان والعراق. ويجدر بالذكر أن لكوريا الجنوبية واليابان أقليات كبيرة في أميركا، كانت تنتقد سابقاً كثافة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. بيد أن هذه الانتقادات باتت أكثر صمتاً الآن. كما ترحب فيتنام -التي خاضت معها الولايات المتحدة الأميركية الحرب الوحيدة التي خسرتها أميركا في عقدي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي- ترحيباً علنياً بالتعاون مع واشنطن. ويفسر هذا التغيير في سياسات فيتنام إزاء أميركا جزئياً بأن فيتنام لا تزال تضمر عداءً لدوداً للصين. وفي الوقت نفسه، فإن هناك ما يدعم صحة حجج القائلين بوجود شراكة طبيعية بين أميركا والهند فيما يتعلق بأمن المنطقة الهندية الباسيفيكية عامة. ومما يعزز هذه الحجج سلوكيات بكين إزاء جيرانها الإقليميين، وموقفها من العدوان الذي شنته مؤخراً بيونج يانج على جارتها سيؤول. وقد فسر البعض موقف بكين بأنه تأييد صامت لسلوك كوريا الشمالية. ولا شك في خطورة الموقف الأمني في شبه الجزيرة الكورية، خاصةً إذا ما أخذنا في الاعتبار تسلح بيونج يانج نووياً. وفيما لو اندلعت حرب هناك، فإن علينا ألا نشك في أمرين؛ أولهما أنها سوف تكون حرباً دموية جداً، غير أن بيونج يانج سوف تخسرها في نهاية المطاف، وهذا ما يمثل كابوساً حقيقياً لبكين. فالصينيون لا يرغبون في فرار الملايين من جيرانهم الكوريين الشماليين باتجاه الحدود الصينية، لكنهم في الوقت ذاته لا يرغبون في أن تتحقق وحدة شبه الجزيرة الكورية تحت سيطرة سيؤول. فإذا ما حدث ذلك، فإنه يعني وجود دولة كورية قوية موحدة على الخط الحدودي المشترك مع الصين مباشرة. وعليه فإن الانتقادات توجه الآن إلى بكين وليس لواشنطن، بسبب كون الأولى شريكاً غير ملتزم للثانية. ومن شأن التطورات الأمنية الحادثة في المنطقة، أن تحدث تغييراً كبيراً في ديناميات القارة الآسيوية، بما في ذلك تزايد قلق الدول المجاورة لبكين مما يوصف بـ"الصعود السلمي" الصيني.