جرياً على عادة السياسيين وصناع القرار الذين يغادرون السلطة، خرج رئيس الوزراء البريطاني السابق، جوردون براون، بكتاب عنوانه "ما بعد الانهيار... تخطي أولى أزمات العولمة"، يتعقب خلاله اللحظات الصعبة التي مر بها. وقد أراد براون التركيز على مرحلة دقيقة واجهها الاقتصاد العالمي عندما بدأت أولى ملامح الأزمة المالية تطل برأسها متمثلة في انهيار بنك "ليمان برادرز" الأميركي في سبتمبر 2008 وما تلا ذلك من تململ في الأسواق المالية سرعان ما وصلت شظاياه إلى الاقتصاد الواقعي. وعلى مدار الكتاب يرصد براون الدور الذي لعبه في التخفيف من وطأة الأزمة، وهو إذ يُفصل السياسات التي انتهجها وحالت دون تفاقم الأزمة على حد قوله، فإنه لا يفعل ذلك بغرض التباهي، بل لأن العالم شهد له بالبراعة في منع الأسوأ. فقد أدرك براون بسرعة، خلافاً لقادة الولايات المتحدة، أن المشكلة الحقيقية مع البنوك المتعثرة ليست شح السيولة، بل الأمر أعمق من ذلك، ما يستدعي تغييراً جوهرياً في السياسات. فالمشكلة حسب براون، والتي لمسها مباشرة بعد انتقال الأزمة إلى المصارف البريطانية، هي في ضعف القطاع المالي وإدارته السيئة وقوانينه المتراخية، فضلاً عن الإقراض غير المسؤول والمتهور... لذا كان واضحاً أن جزءاً من الحل سيأتي من الدولة عبر شرائها لأسهم البنوك المتعثرة، أي التأميم الجزئي للبنوك. غير أن ضخ الأموال في القطاع البنكي لمنعه من الانهيار والتأثير على باقي شرايين الاقتصاد العالمي، لم يكن كافياً بعدما تراجع النمو الاقتصادي وانكمش الناتج الإجمالي المحلي للعديد من الدول، فقد كان الشغل الشاغل لبراون منع تحول الأزمة المالية إلى كساد اقتصادي كبير يشبه كساد الثلاثينيات، لذا فقد دافع عن ضرورة إقرار الدول المتضررة لبرامج إنقاذ كبرى لا تكتفي بانتشال القطاع المالي بل تضخ السيولة في القطاع الصناعي وتنقذ الشركات الكبرى، وهو ما تلقفته أميركا بسرعة، فقام أوباما بإخراج شركات السيارات الكبرى من ورطتها عبر شراء أسهمها. ومع ذلك كان لابد لنجاح مساعي براون، الذي كان أكثر القادة وعياً بحدة الأزمة وبالحاجة إلى سرعة التدخل، من تنسيق دولي وإدراك جماعي لفداحة الخسائر التي يتكبدها القطاع المالي، لاسيما بعدما اتضح لبراون أن تعثر المصارف لم يكن مرده تعثر سوق الرهن العقاري، بل كان أخطر من ذلك وبخاصة بعد عجز الدفعة الأولى من السيولة التي ضختها بريطانيا وأميركا في بداية الأزمة 2007-2008 عن إنعاش القطاع الائتماني الذي ظل متخوفاً من الإقراض. ورغم حدة الأزمة، يقول براون، فقد تعنت بعض مدراء البنوك ولم يعترفوا بحجم المشكلة إلا متأخرين. ولأنه كان مقتنعاً بضرورة الانخراط الجماعي لحل مشكلة الانهيار المالي في المصارف الغربية، ومدركاً التداخل الكبير في الاقتصاد العالمي والاستثمارات الكبرى، فقد سعى لإقناع القادة الأوروبيين بتنسيق جهود شراء أسهم البنوك المتعثرة، وهو بالفعل ما قام به "هنري بولسون" وزيرة الخزانة الأميركي الذي اقتنع أخيراً بأنه لا مناص من تدخل الحكومة الفدرالية لفك ورطة القطاع المالي. لكن يبقى الجهد الأكبر الذي بذله براون في التصدي للأزمة المالية إقناعه قادة العالم بالاجتماع في إطار قمة دول العشرين بلندن في أبريل 2009، فالمسألة بالنسبة له لم تعد محلية، ومهما كانت الإجراءات الداخلية في الدول المعنية سريعة وكبيرة فهي لن تكفي لحل الانهيار المالي بسبب التشابك بين السوق المالي العالمي، لذا كان لابد من تعاون دولي حدد براون هدفه في ضخ تريليون دولار في الاقتصاد العالمي عبر صندوق النقد الدولي والسماح لمجموعة أكبر من الدول بالاستعانة بخدماته، وتوفير موارد أكبر لمساعدة الدول الفقيرة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة حكماء لمتابعة الاقتصاد العالمي، وفي كل هذه الجهود يرجع الفضل، بإجماع قادة الدول وخبراء الاقتصاد، إلى براون وتحركه السريع. زهير الكساب الكتاب: ما بعد الانهيار... تخطي أولى أزمات العولمة المؤلف: جوردون براون الناشر: سيمون أند شوستر تاريخ النشر: 2010